كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

صالحا وكأنهم أرادوا بالعمل الصالح التوحيد وإمتثال أمر الرسول عليه الصلاة و السلام والإنقياد له وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : نعمل صالحا نقل لا إله إلا الله أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم في الآخرة حين يقولون ربنا إلخ فهو بتقدير فنقول لهم أو فيقال لهم أو لم نعمركم إلخ وفي بعض الآثار أنهم يجابون بذلك بعد مقدار الدنيا والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام وما موصولة أو موصوفة أي ألم نمهلكم ونعمركم الذي أي العمر الذي أو عمرا يتذكر فيه من تذكر أي يتمكن فيه من أراد التذكر وتحققت منه تلك الإرادة من التذكير والتفكر
وقال أبو حيان : ما مصدرية ظرفية أي ألم نعمركم في مدة تذكر وتعقب بأن ضمير فيه يأباه لأنها لا يعود عليها ضمير إلا على نظر الأخفش فإنه يرى أسميتها وهو ضعيف ولعله يجعل الضمير للعمر المفهوم من نعمر وفيه بعد
وجعل ما نافية لا يصح كما قال إبن الحاجب لفظا ومعنى وهذا العمر على ما روى عن علي كرم الله تعالى وجهه وأخرجه جماعة وصححه الحاكم عن إبن عباس ستون سنة وقد أخرج الإمام أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله أعذر الله تعالى إلى أمريء أخر عمره حتى بلغ ستين سنةوقيل : هو خمسون سنة وفي رواية عن إبن عباس أنه ست وأربعون سنة وأخرج عب بن حميد وإبن أبي حاتم عن الحسن أنه أربعون سنة وفي رواية أخرى عنه أنه سن البلوغ وقيل : سبع عشرة سنة وعن قتادة ثمان عشرة سنة وعن عمر بن عبدالعزيز عشرون سنة وعن مجاهد ما بين العشرين إلى الستين وقرأ الأعمش ما يذكر فيه من أذكر بالإدغام وإجتلاب همزة الوصل ملفوظا بها في الدرج وجاءكم النذير عطف على معنى الجملة الإستفهامية فكأنه قيل : عمرناكم وجاءكم النذير فليس من عطف الخبر على الإنشاء كما في قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك وجوز أن يكون عطفا على نعمركم ودخول الهمزة عليهما فلا تغفل
والمراد بالنذير على ما روى عن السدي وإبن زيد رسول الله وقيل : ما معه من القرآن وقال أبو حيان : المراد جنس النذير وهم الأنبياء عليهم السلام فكل نبي نذير أمته ويويده أنه قريء النذر جمعا وعن إبن عباس وعكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع والحسين بن الفضل والفراء والطبري هو الشيب وفي الأثر ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها أستعدي فقد قرب الموت ومن هنا قيل : رأيت الشيب من نذر المنايا لصاحبه وحسبك من نذير وقائلة تخضب ياحبيبي وسود شعر شيبك بالعبير فقلت لها المشيب نذير عمري ولست مسودا وجه النذير وقيل : الحمى وقيل : موت الأهل والأقارب وقيل : كمال العقل والإقتصار على النذير لأنه الذي يقتضيه المقام والفاء في قوله تعالى فذوقوا لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجيء النذير وفي قوله سبحانه فما للظالمين من نصير 73 للتعليل والمراد بالظلم هنا الكفر قيل كان الظاهر فمالكم لكن عدل إلى المظهر لتقريعهم والمراد إستمرار نفي أن يكون لهم نصير يدفع عنهم العذاب إن الله عالم غيب السموات والأرض أي كل غيب فيهما أي لا يخفى عليه سبحانه خافية فيهما فلا تخفى عليه جل شأنه أحوالهم التي أقتضت الحكمة

الصفحة 201