كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أن يعاملوا بها هذه المعاملة ولا يخرجوا من النار وقرأ جناح بن حبيش عالم بالتنوين غيب بالنصب على المفعولية لعالم إنه عليم بذات الصدور 83 قيل إنه تعليل لما قبله لأنه تعالى إذا علم مضمرات الصدور وهي أخفى ما يكون كان عزوجل أعلم بغيرها وفيه نوع خفاء وقال الإمام : إن قوله تعالى إن الله إلخ تقرير لدوامهم في العذاب مع أنهم ما كفروا إلا أياما معدودة فكأن سأئلا يسأل عن وجه ذلك فقيل : إن الله تعالى لا يخفى عليه غيب السموات والأرض فلا يخفى عليه ما في الصدور فكان يعلم سبحانه من الكافر أن الكفر قد تمكن في قلبه بحيث لوداء إلى الأبد لما أطاع الله تعالى ولا عبده إنتهى وظاهره أن الجملة الأولى تعليل للثانية على عكس ما قيل ويمكن أن يقال : إن قوله تعالى فما للظالمين من نصير متضمن نفي أن يكون لهم نصير على سبيل الإستمرار ومستدع خلودهم في العذاب فكان مظنة أن يقال : كيف ينفي ذلك على سبيل الإستمرار والعادة في الشاهد قاضية بوجود نصير لمن تطول أيام عذابه فأجيب بأن الله عالم غيب السموات والأرض على معنى أنه تعالى محيط بالاشياء علما فلو كان لهم نصير في وقت من الأوقات لعلمه ولما نفى ذلك على سبيل الإستمرار وكذا مظنة أن يقال : كيف يخلدون في العذاب وهم قد ظلموا في أيام معدودة فأجيب بأنه عليم بذات الصدور على معنى أنه تعالى يعلم ما أنطوت عليه ضمائرهم فيعلم أنهم صمموا على ما هم فيه من الضلال والكفر إلى الأبد فكل من الجملتين مستأنف إستئنافا بيانيا فتأمل هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ملقى إليكم مقاليد التصرف والإنتفاع بما فيها أو جعلكم خلفاء ممن قبلكم من الأمم وأورثكم ما بأيديكم من متاع الدنيا لتشكروه بالتوحيد والطاعة أو جعلكم بدل من كان قبلكم من الأمم الذين كذبوا الرسل فهلكوا فلم تتعظوا بحالهم وما حل بهم من الهلاك والخطاب قيل عام وأستظهره في البحر وقيل : لأهل مكة والخلائف جمع خليفة وقد أطرد جمع فعيلة على فعائل وأما الخلفاء فجمع خليف ككريم وكرماء وجوز الواحدي كونه جمع خليفة أيضا وهو خلاف المشهور فمن كفر منكم مثل هذه النعمة السنية وغمطها أو فمن أستمر على الكفر وترك الإيمان بعد أن لطف به وجعل له ما ينبهه على ما يترتب على ذلك فعليه كفره أي وبال كفره وجزاؤه لا على غيره
ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا أشد الإحتقار والبغض والغضب
ؤلا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا 93 في الآخرة وجملة ولا يزيد إلخ بيان وتفسير لقوله سبحانه فعليه كفره ولزيادة تفصيله نزل منزلة النغاير له ولولا ذلك لفصل عنه والتكرير لزيادة التقرير والتنبيه على أن إقتضاء الكفر لكل واحد واحد من الأمرين الأمرين المقت والخسارة مستقل بإقتضاء قبحه ووجوب التجنب عنه بمعنى أنه لو لم يكن الكفر مستوجبا لشيء سوى مقت الله تعالى لكفى ذلك في قبحه وكذا لو لم يستوجب شيئا سوى الخسار لكفى قل تبكيتا لهم أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أي آلهتكم والإضافة إليهم لأدنى ملابسة حيث أنهم هم الذين جعلوهم شركاء الله تعالى وأعتقدوهم كذلك من غير أن يكون له أصل ما أصلا
وقيل : الإضافة حقيقية من حيث أنهم جعلوهم شركاء لانفسهم فيما يملكونه أو جعلهم الله تعالى شركاء لهم في النار كما قال سبحانه إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم والصفة عليهما مقيدة لا مؤكدة وسياق النظم الكريم وسباقه ظاهران فيما تقدم أروني ماذا خلقوا من الأرض بدل إشتمال من أرأيتم لأنه بمعنى

الصفحة 202