كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أخبروني كأنه قيل : أخبروني عن شركائكم أروني أي جزء خلقوا من الأرض حتى يستحقوا الآلهية والشركة
وجوز أن يكون بدل كل وقال أبو حيان : لا تجوز البدلية لأنه إذا أبدل مما دخل عليه فلا بد من دخول الأداة على البدل وأيضا إبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم ثم البدل عل ىنية تكرار العامل ولا يتأتى ذلك ههنا لأنه لا عامل لأرأيتم ثم قال : والذي أذهب إليه أن أرأيتم بمعنى أخبروني وهي تطلب مفعولين أحدهما منصوب والآخر مشتمل على الإستفهام كقول العرب أرأيت زيدا ما صنع فالأول هنا شركاؤكم والثاني ماذا خلقوا و أروني جملة إعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد ويحتمل أن يكون ذلك أيضا من باب الأعمال لأنه توارد على ماذا خلقوا أرأيتم وأروني لأن أروني قد تعلق عن مفعولها الثاني كما علقت رأي التي لم تدخل عليها همزة النقل عن مفعولها في قولهم : أما ترى أي برق ههنا ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين إنتهى وماذكره إحتمال في الآية الكريمة كما أن ما ذكر أولا إحتمال وما قاله في رده ليس بشيء أما الأول فلأن لزوم دخول الأداة على البدل فيما إذا كان الإستفهام باق على معناه أما إذا نسخ عنه كما هنا فليس بلازم وأما الثاني فلأن أهل العربية والمعاني نصوا على خلافه وقد ورد في كلام العرب كقوله : أقول له أرحل لا تقيمن عندنا وإلا فكن في السر والجهر مسلما وأما الثالث فلأن كون البدل على نية تكرار العامل إنما هو كما نقل الخفاجي عنهم في بدل المفردات
وليس لك أن تقول العامل هنا موجود وهو قل لأن العبرة بالمقول ولا عامل فيه إذ يقال وهو ظاهر وجوز أن لا يكون أرأيتم بمعنى أخبروني بل المراد حقيقة الإستفهام عن الرؤية وأروني أمر تعجيز للتبيين أي أعلمتم هذه التي تدعونها ما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة فإن كنتم تعلمونها عاجزة فكيف تعبدونها أو كنتم توهمتم فيها قدرة فأروني أثرها وما تقدم أظهر أم لهم شرك في السموات أي بل ألهم شركة مع الله عزوجل في خلق السموات حتى يستحقوا ما زعمتم فيهم وقال بعضهم : الأولى أن لا يقدر مضاف على أن المعنى أم لهم شركة معه سبحانه في السموات خلقا وإبقاء وتصرفا لأن المقصود نفي آيات الآلهية عن الشركاء وليست محصورة في الخلق والتقدير أوفق بما قبله والكلام قيل من باب التدرج من الإستقلال إلى الشركة ثم منها إلى حجة وبينة مكتوبة بالشركة كأنه قيل : أخبروني عن الذين تدعون من دون الله هل أستبدوا بخلق شيء من الأرض حتى يكونوا معبودين مثل الله تعالى بل ألهم شركة معه سبحانه في خلق السموات أم آتيناهم كتابا أي بل آتيناهم كتابا ينطق بأنا أتخذناهم شركاء فهم على بينت منه أي حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة معنا
وقال في الكشف : الظاهر أن الكلام مبني على الترقي في إثبات الشركة لأن الإستبداد بخلق جزء من الأرض شركة ما معه عزوجل والإشتراك معه سبحانه في خلق السموات أدل على إثباتها ثم إيتاء كتاب منه تعالى على أنهم شركاؤه أدل وأدل وقيل : هم في آتيناهم للمشركين وكذا فيفهمكما في قوله تعالى : أم أنزلنا عليهم سلطانا إلخ ففي الكلام إلتفات من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة إعراضا عن المشركين وتنزيلا لهم منزلة الغيب
والمعنى أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ولا عقل يحكم بصحة عبادة من لا يخلق جزأ ما من الأرض دلالة شرك في السماء وإما بالنقل ولم نؤت المشركين كتابا فيه الأمر بعبادة هؤلاء وفيه تفكيك للضمائر وقال بعضهم : ضمير

الصفحة 203