كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

آتيناهم للشركاء كالضمائر السابقة وضمير فهم على بينة للمشركين و أم منقطعة للإضراب عن الكلام السابق وزعم أن لا إلتفات حينئذ ولا تفكيك فتأمل
وقرأ نافع وإبن عامر ويعقوب وأبو بكر على بينات بالجمع فيكون إيماء إلى أن الشرك خطير لا بد فيه من تعاضد الدلائل وهو ضرب من التهكم بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا 04 لما نفى سبحانه ما نفى من الحجج في ذلك أضرب عزوجل عنه بذكر ما حملهم على الشرك وهو تقرير الأسلاف للأخلاف وإضلال الرؤساء للأتباع بأنهم شفعاء عند الله تعالى يشفعون لهم بالتقرب إليهم والآية عند الكثير في عبدة الأصنام وحكمها عام وقيل : في عبدة غير الله عزوجل صنما كان أو ملكا أو غيرهما
إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا إستئناف مقرر لغاية قبح الشرك وهوله أي إن الله تعالى يحفظ السموات والأرض كراهة زوالهما أو لئلا تزولا وتضمحلا فإن الممكن كما يحتاج إلى الواجب سبحانه حال إيجاده يحتاج إليه حال بقائه وقال الزجاج : يمسك بمعنى يمنع و أن تزولا مفعوله على الحذف والإيصال لأنه يتعدى بمن أي يمنعهما من أن تزولا وفي البحر يجوز أن يكون أن تزولا بدل إشتمال من السموات والأرض أي يمنع سبحانه زوال السموات والأرض وفسر بعضهم الزوال بالإنتقال عن المكان أي أن الله تعالى يمنع السموات من أن تنتقل عن مكانها فترتفع أو تنخفض ويمنع الأرض أيضا من أن تنتقل كذلك وفي أثر أخرجه عبد إبن حميد وجماعة عن إبن عباس ما يقتضيه وقيل : زوالهما دورانهما فهما ساكنتان والدائرة بالنجوم أفلاكها وهي غير السموات فقد أخرج سعيد بن منصور وإبن جرير وإبن المنذر وعبد بن حميد عن شقيق قال : قيل لإبن مسعود إن كعبا يقول : إن السماء تدور في قطبة مثل قطبة الرحى في عمود على منكب ملك فقال : كذب كعب إن الله تعالى يقول إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا وكفى بها زوالا أن تدور والمنصور عند السلف أن السموات لا تدور وإنها غير الأفلاك وكثير من الإسلاميين ذهبوا إلى أنها تدور وأنها ليست غير الأفلاك وأما الأرض فلا خلاف بين المسلمين في سكونها والفلاسفة مختلفون والمعظم على السكون ومنهم من ذهب إلى أنها متحركة وأن الطلوع والغروب بحركتها ورد ذلك في موضعه والأولى في تفسير الآية ما سمعت أولا وكذا كونها مسوقة لما ذكرنا وقيل إنه تعالى لما بين فساد أمر الشركاء ووقف على الحجة في بطلانها عقب بذلك عظمته عزوجل وقدرته سبحانه ليتبين الشيء بضده وتتأكد حقارة الأصنام بذكر عظمة الله عزوجل ولئن زالتا أي أن أشرفتا على الزوال على سبيل الفرض والتقدير ويؤيده قراءة إبن أبي عبلة ولو زالتا وقيل إن ذلك إشارة إلى ما يقع يوم القيامة من طي السموات ونسف الجبال
إن أمسكهما أي ما أمسكهما من أحد من بعده أي من بعد إمساكه تعالى أو من بعد الزوال والجملة جواب القسم المقدر قبل لام التوطئة في لئن وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه وأمسك بمعنى يمسك كما في قوله تعالى ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ومن الأول مزيدة لتأكيد العموم والثانية للإبتداء إنه كان حليما غفورا 14 فلذا حلم على المشركين وغفر لمن تاب منهم مع عظم جرمهم المقتضي لتعجيل العقوبة وعدم إمساك السموات والأرض وتخريب العالم الذي هم فيه فلا يتوهم أن

الصفحة 204