كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

المقام يقتضي ذكر القدرة لا الحلم والمغفرة وأقسموا بالله جهد أيمانهم أي حلفوا وأجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم الضمائر لقريش وذلك أنهم بلغهم قبل مبعث النبي أن طائفة من أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا : لعن الله تعالى اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فوالله لئن جاءنا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم فكان منهم بعد ما كان فأنزل الله تعالى هذه الآية ولئن جاءهم جاء على المعنى وإلا فهم قالوا : جاءنا وكذا ليكونن وإحدى بمعنى واحدة والظاهر أنها عامة وإن كانت نكرة في الإثبات لإقتضاء المقام العموم وتعريف الأمم للعهد والمراد الأمم الذين كذبوا رسلهم أي لئن جاءنا نذير لنكونن أهدى من كل واحدة من الأمم اليهود والنصارى وغيرهم فنؤمن جميعا ولا يكذب أحد منا أو المنى لنكونن أهدى من أمة يقال فيها إحدى الأمم تفضيلا لها على غيرها من الأمم كما يقال هو واحد القوم وواحد عصره وكما قالوا هو أحد الأحدين وهي إحدى الأحد يريدون التفضيل في الدعاء والعقل قال الشاعر : حتى أستشاروا بي إحدى الأحد ليثا هزبرا ذا سلاح معتد وقد نص إبن مالك في التسهيل على أنه قد يقال لما يستعظم مما لا نظير له هو إحدى الأحد لكن قال الدماميني في شرحه : إنما ثبت إستعماله في إحدى ونحوه المضاف إلى جمع مأخوذ من لفظه كأحدى الأحد وأحد الأحدين أو المضاف إلى وصف كأحد العلماء وإحدى الكبر أما في المضاف إلى أسماء الأجناس كالأمم فيحتاج إلى نقل وبحث فيه بأنه قد ثبت إستعمال إحدى في الإستعظام من دون إضافة أصلا فإنهم يقولون للداهية العظيمة هي إحدى من سبع أي إحدى ليالي عاد في الشدة وشاع واحد قومه وأوحدهم وأوحد أمه ولم يظهر فارق بين المضاف إلى الجمع المأخوذ من اللفظ والمضاف إلى الوصف وبين المضاف إلى أسماء الأجناس ولا أظن أن مثل ذلك يحتاج إلى نقل فليتدبر
وقال صاحب الكشف : أن دلالة إحدى الأمم على التفضيل ليست بواضحة بخلاف واحد القوم ونحوه ثم وجهها أنه على أسلوب
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
يعني أن البعض المبهم قد يقصد به التعظيم كالتنكير فإحدى مثله وفيه أنه متى ثبت إستعماله للإستعظام كانت دلالته على التفضيل في غاية الوضوح
فلما جاءهم نذير وأي نذير وهو أشرف الرسل محمد كما روى عن إبن عباس وقتادة وهو الظاهر وعن مقاتل هو إنشقاق القمر وهو أخفى من السها والمقام عنه يأبى مازادهم أي النذير أو مجيئه إلا نفورا 24 تباعدا عن الحق وهربا منه وإسناد الزيادة إلى ذلك مجاز لأنه هو السبب لها والجملة جواب لما
وأستدل بالآية على حرفيتها لمكان النفي المانع عن عمل ما بعده فيها وفيه بحث وقوله تعالى إستكبارا في الأرض بدل من نفورا وقال أبو حيان : الظأهر أنه مفعول من أجله ونقل الأول عن الأخفش وقيل : هو حال أي مستكبرين ومكر السيء هو الخداع الذي يرومونه برسول الله والكيد له وقال قتادة هو الشرك وروى ذلك عن إبن جريج وهو عطف على إستكبارا وأصل التركيب وأن مكروا السيء على أن السيء صفة لموصوف مقدر أي المكر المسيء ثم أقيم المصدر مقام أن والفعل وأضيف إلى ما كان صفة وجوز أن يكون

الصفحة 205