كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

عطفا على نفورا وقرأ الأعمش وحمزة السيء بإسكان الهمزة في الوصل إجراء له مجرى الوقف أو لتوالي الحركات وإجراء المنفصل مجرى المتصل وزعم الزجاج أن هذه القراءة لحن لما فيها من حذف الإعراب كما قال أبو جعفر
وزعم محمد بن يزيد أن الحذف لا يجوز في نثر ولا شعر لأن حركات الإعراب دخلت للفرق بين المعاني وقد أعظم بعض النحويين ان يكون الأعمش قرأ بها وقال إنما كان يقف على هذه الكلمة فغلظ من أدى عنه والدليل على هذا أنها تمام الكلام ولذا لم يقرأ في نظيرها كذلك مع أن الحركة فيه أثقل لأنها ضمة بين كسرتين والحق أنها ليست بلحن وقد أكثر أبو علي في الحجة من الإستشهاد والإحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والوصل بنية الوقف وقال إبن القشيري : ما ثبت بالإستفاضة أو التواتر أنه قريء به فلا بد من جوازه ولا يجوز أن يقال لحن ولعمري أن الإسكان ههنا أحسن من الإسكان في بارئكم كما في قراءة أبي عمرو وروى عن إبن كثير ومكر السأي بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة وهو مقلوب السيء المخفف من السيء كما قال الشاعر : ولا يجزون من حسن بسيء ولا يجزون من غلظ بلين وقرأ إبن مسعود مكرا سيئا عطف نكرة على نكرة ولا يحيق المكر السيء أي لا يحيط إلا بأهله
وقال الراغب أي لا يصيب ولا ينزل وأياما كان فهو إنما ورد فيما يكره وزعم بعضهم أن أصل حاق حق فجيء بدل أحد المثلين بالألف نحو ذم وذام وزل وزال وهذا من إرسال المثل ومن أمثال العرب من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا وعن كعب أنه قال لإبن عباس : قرأت في التوراة من حفر مغواة وقع فيها قال : أنا وجدت ذلك في كتاب الله تعالى فقرأ الآية وفي الخبر لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فإن الله تعالى يقول ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغيا فإن الله سبحانه يقول إنما بغيكم على أنفسكم وقد حاق مكر هؤلاء بهم يوم بدر
والآية عامة على الصحيح والأمور بعواقبها والله تعالى يمهل ولا يهمل ووراء الدنيا الآخرة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وبالجملة من مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلا في الظأهر ففي الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك أسأل الله تعالى بحرمة حبيبه الأعظم أن يدفع ويرفع عنا مكر الماكرين وأن يعاملهم في الدارين بعدله إنه سبحانه القوى المتين وقريء ولا يحيق بضم الياء المكر السيء بالنصب على أن يحيق من أحاق المتعدي وفاعله ضمير راجع إليه تعالى و المكر مفعوله فهل ينظرون أي ما ينتظرون وهو مجاز بجعل ما يستقبل بمنزلة ما ينتظر ويتوقع إلا سنت الأولين أي إلا سنة الله تعالى فيهم بتعذيب مكذبيهم
فلن تجد لسنة الله تبديلا بأن يضع سبحانه موضع العذاب ولن تجد لسنت الله تحويلا 34 بأن ينقل عذابه من المكذبين إلى غيرهم والفاء لتعليل ما يفيده الحكم بإنتظارهم العذاب من مجيئه ونفي وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد إنتفائهما والخطاب عام أو خاص به عليه الصلاة و السلام
أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم إستشهاد على ما قبله من جريان سنة الله تعالى على تعذيب المكذبين بما يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم في رحلتهم إلى الشام واليمن والعراق

الصفحة 206