كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

من آثار الأمم الماضية وعلامات هلاكهم والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يليق بالمقام على رأي أي أقعدوا ولم يسيروا وقوله تعالى وكانوا أشد منهم قوة في موضع الحال بتقدير قد أو بدونها
وما كان الله ليعجزه أي ليس من شأنه عز شأنه أن يسبقه ويفوته من شيء أي شيء ومن لإستغراق الأشياء في السموات ولا في الأرض هو نظير لا يغادر صغيرة ولا كبيرة والواو حالية أو عاطفة
وفي الإرشاد الجملة إعتراض مقرر لما يفهم مما قبله من إستئصال الأمم السلفة وظاهره أن الواو إعتراضية
إنه كان عليما قديرا 44 مبالغا في العلم والقدرة والجملة تعليل لنفي الإعجاز ولو يؤاخذ الله الناس جميعا بما كسبوا فعلوا من السيآت كما وأخذ أولئك ما ترك على ظهرها أي ظهر الأرض وقد سبق ذكرها في قوله تعالى في السموات ولا في الأرض فليس من الإضمار قبل الذكر كما زعمه الرضى وظهر الأرض مجاز عن ظاهرها كما قال الراغب وغيره وقيل : في الكلام إستعارة مكنية تخييلية والمراد ما ترك عليها من دابة أي من حيوان يدب على الأرض لشؤم المعاصي وقد قال سبحانه وأتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وهو المروى عن إبن مسعود وقيل : المراد بالدابة الأنس وحدهم وأيد بقوله تعالى : ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة فإن الضمير للناس لأنه ضمير العقلاء ويوم القيامة الأجل المضروب لبقاء نوعهم وقيل : هو لجميع من ذكر تغليبا ويوم القيامة الأجل المضروب لبقاء جنس المخلوقات فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا 54 فيجازي المكلفين منهم عند ذلك بأعمالهم إن شرا فشر وإن خيرا فخير وجملة فإن الله إلخ موضوعة موضع الجزاء والجزاء في الحقيقة يجازي كما أشرنا إليه هذا والله تعالى هو الموفق للخير ولا إعتماد إلا عليه
ومن باب الإشارة الحمد لله فاطر السموات والأرض إشارة إلى إيجاد عالمي اللطافة والكثافة وإلى أن إيجاد عالم اللطافة مقدم على إيجاد عالم الكثافة ويشير إلى ذلك ما شاع خلق الله تعالى الأرواح قبل الأبدان بأربعة آلاف سنة جاعل الملائكة رسلا في إيصال أوامره إلى من يشاء من عباده أو وسائط تجري إرادته سبحانه في مخلوقاته على أيديهم أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع إشارة إلى إختلافهم في الإستعداد يزيد في الخلق ما يشاء عام في الملك وغيره وفسرت الزيادة بهبة إستعداد رؤيته عزوجل للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ما يفتح الله للناس من رحمة الزيادة المشار إليها وغيرها فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده فيه إشارة إلى أن رحمته سبحانه سبقت غضبه عزوجل وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك تسلية لحبيبه وإرشاد لورثته إلى الصبر على إيذاء أعدائهم لهم وتكذيبهم إياهم وإنكارهم عليهم والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها جرت سنته تعالى في أحياء الأرض بهذه الكيفية كذلك إذا أراد سبحانه أحياء أرض القلب فيرسل أولا رياح الإرادة فتسير سحاب المحبة ثم يأتي مطر الجود والعناية فينبت في القلب رياحين الروح وأزهار البسط ونوار الأنوار ويطيب العيش
من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إشارة إلى أن العزة الحقيقية لا تحصل بدون الفناء ولا تغفل عن حديث لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل إلخ والله خلقكم من تراب وهو أبعد المخلوقات من الحضرة وأسفلها

الصفحة 207