كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وأكثفها ثم من نطفة وفيها نوع ما من اللطافة ثم جعلكم أزواجا إشارة إلى ما حصل لهم من أزدواج الروح اللطيف العلوي والقالب الكثيف السفلي وهو مبدأ إستعداد الوقوف على عوالم الغيب والشهادة وما يستوي البحران قيل أي بحر العلم الوهبي وبحر العلم الكسبي هذا أي بحر العلم الوهبي عذب فرات سائغ شرابه لخلوه عن عوارض الشكوك والأوهام وهذا أي بحر العلم الكسبي ملح أجاج لما فيه من مشقة الفكر ومرارة الكسب وعروض الشكوك والتردد والإضطراب ومن كل تأكلون لحما طريا إشارات لطيفة تتغذون بها وتتقون على الأعمال وتستخرجون حلية تلبسونها وهي الأخلاق الفاضلة والآداب الجميلة والأحوال المستحسنة التي تكسب صاحبها زينة وترى الفلك سفن الشريعة والطريقة فيه مواخر جارية لتبتغوا من فضله بالوصول إلى حضرته عزوجل فعل ذلك ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله في سائر شؤنكم ومراتب الفقر متفاوتة ولكما أزداد الإنسان قربا منه عزوجل أزداد فقره إليه لأزدياد المحبة حينئذ وكلما زاد العشق زاد فقر العاشق إلى المعشوق حتى يفنى والله هو الغني الحميد فيه من البشارة ما فيه إنما يخشى الله من عباده العلماء أي العلماء به تعالى وبشؤنه فهم كلما أزدادوا علما أزدادوا خشية لما يظهر لهم من عطمته عزوجل وأنهم بالنسبة إليه تعالى شأنه لا شيء ثم أورثنا الكتناب الذين أصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله قيل : الظالم لنفسه السالك والمقتصد السالك المجذوب والسابق المجذوب السالك والسالك هو المتقرب والمجذوب هو المقرب والمجذوب السالك هو المستهلك في كمالات القرب الفاني عن نفسه الباقي بربه عزوجل وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن حزن تخيل الهجر فلا حزن للعاشق أعظم من حزن تخيل هجر معشوقه له وجفوته إياه إن ربنا لغفور شكور فلا بدع إذا أذهب عنا ذلك وآمننا من القطيعة والهجران الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب هو نصب الأبدان وتعبها من أعمال الطاعة للتقرب إليه سبحانه ولا يمسنا فيها لغوب هو لغوب القلوب وإضطرابها من تخيل القطيعة والرد وهجر الحبيب وقيل : لا يمسنا فيها نصب السعي في تحصيل أي امر أردناه ولا يمسنا فيها لغوب تخيل ذهاب أي مطلوب حصلناه وقد أشاروا إلى أن كل ذلك من فضل الله تعالى والله عزوجل ذو الفضل العظيم هذا ونسأل الله تعالى من فضله الحلو ما تنشق منه مرارة الحسود وينفطر به قلب كل عدو وينتعش فؤاد كل محب ودود
سورة يس
صح من حديث الإمام أحمد وأبي داؤد والنسائي وإبن ماجه والطبراني وغيرهم عن معقل بن يسار أن رسول الله قال يس قلب القرآن وعد ذلك أحد أسمائها وبين حجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة وجه إطلاق ذلك عليها بأن المدار على الإيمان وصحته بالإعتراف بالحشر والنشر وهو مقرر فيها على أبلغ وجه وأحسنه ولذا شبهت بالقلب الذي به صحة البدن وقوامه وأستحسنه الإمام الرازي وأورد على ظاهره أن كل ما يجب الإيمان به لا يصح الإيمان بدونه فلا وجه لإختصاص الحشر والنشر بذلك وأجيب بأن المراد بالصحة في كلام الحجة ما يقابل السقم والمرض ولا شك أن من صح إيمانه بالحشر يخاف من النار ويرغب في الجنة دار الأبرار فيرتدع عن المعاصي التي هي كأسقام الإيمان إذ بها يختل ويضعف ويشتغل بالطاعات التي هي

الصفحة 208