كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

بالحكمة على أنالإسناد مجازي وحقيقته الإسناد إلى الله تعالى المتكلم به وفي البحر هو إما فعيل بمعنى مفعل كأعقدت العسل فهو عقيد أي معقد وإما للمبالغة من حاكم إنك لمن المرسلين 3 جواب للقسم والجملة لرد إنكار الكفرة رسالته عليه الصلاة و السلام فقد قالوا : لست مرسلا وتقدم ما يشعر بأنهم على جانب عظيم من الإنكار أعني قوله تعالى فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا إستكبارا في الأرض ومكر السيء وهذه الآية من جملة ما أشير إليه بقوله تعالى في جوابهم عن إنكارهم قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم وتخصيص القرآن بالأقسام به أولا وبوصفه بالحكيم ثانيا تنويه بشأنه على أكمل وجه
وقوله تعالى : على صراط مستقيم 4 خبر ثان لأن وأختاره الزجاج قائلا : إنه الأحسن في العربية أو حال من ضميره عليه الصلاة و السلام المستكن في الجار والمجرور أو الواقع أسم إن بناء على رأي من يجوز الحال من المبتدأ وجوز أن يكون متعلقا بالمرسلين وليس المراد به الحال أو الإستقبال أي لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم وأن يكون حالا من عائد الموصول المستتر في أسم الفاعل أو حالا من نفي المرسلين
والزمخشري لم يذكر من هذه الأوجه سوى كونه خبرا وكونه صلة للمرسلين وأياما كان فالمراد بالصراط المستقيم ما يعم العقائد والشرائع الحقة وليس الغرض من الأخبار الأعلام بتمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته ليقال إن ذلك حاصل قبله لما أن كل أحد يعلم أن المرسلين لا يكونون إلا على صراط مستقيم بل الغرض الإعلام بأنه موصوف بكذا وأن ما جاء به الموصوف بكذا تفخيما لشأنهما فسلكا في مسلك سلوكا لطريق الإختصار وأيضا التنكير في صراط للتفخيم فهو دال على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة على صراط لا يكتنه وصفه وهذا شيء لم يعلم قبل ولا يرد أن الطريق المستقيم واحد ليس إلا ألا ترى إلى قوله تعالى : فأتبعوه ولا تتبعوا السبل لأن لكل نبي شارع منهاجا هو مستقيم وبإعتبار الرجوع إلى المرسل تعالى شأنه الكل متحد وبإعتبار الإختصاص بالمرسل والشرائع مختلف فصح أنه أرسل من بين الصرط المستقيمة إلخ وأيضا هو فرض والفرض تعظيم هذا الصراط بأنه لا صراط أقوم منه واقعا أو مفروضا ولا نظر إلى أن هنالك آخر أولا وهذا قريب من أسلوب مثلك لا يفعل كذا فأفهم ولا تغفل
وقوله تعالى : تنزيل العزيز الرحيم 5 نصب على المدح أو على المصدرية لفعل محذوف أي نزل تنزيل
وقرأ جمع من السبعة وأبو بكر وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والمصدر بمعنى المفعول أي هو تنزيل أي منزل العزيز الرحيم والضمير للقرآن ويجوز إبقاؤه على أصله بجعله عين التنزيل وجوز خبر يس إن كان المراد بها السورة والجملة القسمية معترضة والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به إهتماما فلا يقال : إن الكفار ينكرون القرآن فكيف يقسم به لالزامهم
وقرأ ابو حيوة واليزيدي والقورضي عن أبي جعفر وشيبة بالخفض على البدلية من القرآن أو الوصفية له
وأياما كان ففيه إظهار لفخامة القرآن الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية بوصفه بالحكمة وفي تخصيص الأسمين الكريمين المعربين عن الغلبة الكاملة والرحمة الفاضلة حث على الإيمان به ترهيبا وترغيبا وإشعارا بأن

الصفحة 212