كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أبو حيان أن المعنى حق القول الذي قاله الله تعالى على لسان الرسل عليهم السلام من التوحيد وغيره وبان برهانه وهو كما ترى
فهم أي الأكثر لا يؤمنون 7 بإنذارك إياهم والفاء تفريعية داخلة على الحكم المسبب عما قبله فيفيد أن ثبوت القول عليهم علة لتكذيبهم وكفرهم وهو علة له بإعتبار سبق العلم بسوء إختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر فإن علمه تعالى لا يتعلق بالأشياء إلا على ما هي عليه في أنفسها ومآله إلى أن سوء إختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر علة لتكذيبهم وعدم إيمانهم بعد الإنذار فليس هناك جبر محض ولا أن المعلوم تابع للعلم
وقال بعضهم : الفاء إما تفريعية وكون ثبوت القول علة لعدم إيمانهم مبني على أن المعلوم تابع للعلم وإما تعليلية مفيدة أن عدم الإيمان علة لثبوت القول بناء على أن العلم تابع للمعلوم ولا يلزم الجبر على الوجهين أما على الثاني فظاهر وأما على الأول فلأن العلم ليس علة مستقلة عند القائل بذلك بل لإختيارهم وكسبهم مدخل فيه فتأمل
والتفريع هو الذي أميل إليه إنا جعلنا في أعناقهم جمع عنق بالضم وبضمتين وهو الجيد ويقال عنيق كامير وعنق كصرد أغلالا جمع غل بالضم وهو على ما قيل ما يشد به اليد إلى العنق للتعذيب والتشديد وفي البحر الغل ما أحاط بالعنق على معنى التث قيف والتضييق والتعذيب والأسر ومع العنق اليدان أو اليد الواحدة
وذكر الراغب أنه ما يقيد به فتجعل الأعضاء وسطه وأصله من الغلل تدرع الشيء وتوسطه ومنه الغلل للماء الجاري بين الشجر وقد يقال له الغيل وكأن في الكلام عليه قلبا أي جعلنا أعناقهم في إغلال كما تقول جعلت الخاتم في أصبعي أي جعلت أصبعي في الخاتم وجوز أن يكون على حد لأصلبنكم في جذوع النخل والتنوين للتعظيم والتهويل أي أغلالا عظيمة هائلة وإسناد الفعل إلى ضمير العظمة مما يؤيد ذلك فهي أي الأغلال كما هو الظاهر إلى الأذقان جمع ذقن بالتحريك مجتمع اللحيين من أسفلهما وأل للعهد أو عوض عن المضاف إليه والظرف متعلق بكون خاص خبر هي أي فهي واصلة أو منتهية إلى أذقانهم والفاء للتفريع وقيل : لمجرد التعقيب بناء على عدم حمل التنوين على التعظيم والتهويل وقوله تعالى فهم مقمحون 8 نتيجة فهي إلى الأذقان فالفاء تفريعية ايضا والمقمح على ما في النهاية الذي يرفع رأسه ويغض بصره وكأنه أراد المجهول بحيث يرفع إلخ
وقال أبو عبيدة : يقال قمح البعير قموحا إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب والجمع قماح ومنه قول بشر يصف سفينة أخذهم الميد فيها : ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح وقال الليث : هو رفع البعير رأسه إذا شرب الماء الكريه ثم يعود ومنه قيل للكانونين شهرا قماح بضم القاف وكسرها لأن الإبل إذا وردت الماء ترفع رؤسها لشدة برده وقال الراغب القمح رفع الرأس لسف الشيء المتخذ من القمح أي البر إذا جرى في السنبل من لدن الإنضاج إلى حين الإكتناز ثم يقال لرفع الرأس كيفما كان قمح وقمح البعير رفع رأسه وأقمحت البعير شددت رأسه إلى خلف وقيل : المقمح الذي يجذب ذقنه حتى يصير في صدره ثم يرفع وقال مجاهد : القامخح الرافع الرأس الواضع يده على فيه وقال الحسن : هو الطامح ببصره إلى موضع قدمه وظاهره يقتضي أن يكون هناك نكس للرأس والمعروف في القمح الرفع ووجه التفريع

الصفحة 214