كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

فدعا النبي عليه الصلاة و السلام حتى ذهب ذلك عنهم فنزلتيس والقرآن الحكيمإلى قوله سبحانه أم لم تنذرهم لا يؤمنون فلم ي ؤمن من ذلك النفر أحد وروى أن الألآيتين نزلتا في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حمل حجرا لينال بها ما يريد برسول الله وهو يصلي فأثبتت يده إلى عنقه حتى عاد إلى أصحابه والحجر قد لزق بيده فما فكوه إلا بجهد فأخذه مخزومي آخر فلما دنا من الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم طمس الله تعالى بصره فعاد إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه فقام ثالث فقال : لأشدخن أنا رأسه ثم أخذ الحجر وأنطلق فرجع القهقري ينكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه فقيل له : ما شأنك قال : عظيم رأيت الرجل فلما دنوت منه فإذا فحل ما رأيت فحلا أعظم منه حال بيني وبينه فواللات والعزى لو دنوت منه لأكلني فجعل الغل يكون إستعارة عن منع من أزاد أذاه عليه الصلاة و السلام وجعل السد إستعارة عن سلب قوة الأبصار كما قيل وقال السدي : السد ظلمة حالت فمنعت الرؤية وجاء في الآثار غير ذلك مما يقرب منه والربط عليها ير ظاهر ولعله بإعتبار إشارة الآيتين إلى ما هو عليه من التصميم على الكفر وشدة العناد ومع هذا الأرجح في نظر البليغ حمل الكلام على غير ما تقتضيه ظواهر الآثار مما سمعت وليبس فيها ما ينافيه عند التحقيق فتأمل وساوء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم أي مستو عندهم إنذارك إياهم وعدمه حسبما مر تحقيقه في أوائل سورة البقرة والظاهر أن العطف على إنا جعلنا وكأنه جيء به للتصريح بما هم عليه في أنفسهم بعد الإشارة إليه فيما تقدم بناء على أنه مما يستتبع الجعل المذكور
وقريب منه القول بأن ما تقدم لبيان حالهم المجعول وهذا لبيان حالهم من غير ملاحظة جعل وفيه تمهيد لقوله تعالى إنما تنذر إلخ وفي إرشاد العقل السليم هو بيان لشأنهم بطريق التصريح أثر بيانه بطريق التمثيل وفي الحواشي الخفاجية لم يورد بالفاء مع ترتبه على ما قبله إما تفويضا لذهن السامع أو لأنه غير مقصود هنا إنتهى
وأنظر هل تجد مانعا من العطف على لا يبصرون ليكون خبرا لهم أيضا داخلا في حيز الفاء والتفريع على ما تقدم كأنه قيل : فهم سواء عليهم إلخ وإختلاف الجملتين بالأسمية والفعلية لا أراك تعده مانعا وقوله تعالى : لا يؤمنون 01 إستئناف مؤكد لما قبله مبين لما فيه من إجمال ما فيه الإستواء أو حال مؤكدة له أو بدل منه
ولما بين كون الإنذار عندهم كعدمه عقب ببيان من يتأثر منه فقال سبحانه إنما تنذر أي إنذارا مستتبعا للأثر من أتبع الذكر أي القرآن كما روى عن قتادة بالتأمل فيه والعمل به وقيل : الوعظ وأتبع بمعنى يتبع والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو المعنى إنما ينفع إنذارك المؤمنين الذين أتبعوا ويكون المراد بمن أتبع المؤمنين وبالإنذار الإنذار عما يفرط منهم بعد الإتباع فلا يلزم تحصيل الحاصل وقيل : المراد من أتبع في علم الله تعالى وهم الأقلون الذين لم يحق القول عليهم وخشي الرحمن أي عقابه ولم يغتر برحمته عزوجل فإنه سبحانه مع عظم رحمته أليم العذاب كما نطق به قوله تعالى نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم
ومما قرر يعلم سر ذكر الرحمن مع الخشية دون القهار ونحوه بالغيب حال من المضاف المقدر في نظم الكلام كما أشرنا إليه أي خشي عقاب الرحمن حال كون العقاب ملتبسا بالغيب أي غائبا عنه وحاصله خشي العقاب قبل حلوله ومعاينة أهواله ويجوز أن يكون حالا من فاعل خشي أي خشى عقاب الرحمن غائبا عن

الصفحة 217