كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

العقاب غير مشاهد له أو خشي غائبا عن أعين الناس غير مظهر الخشية لهم لأنها علانية فلما تسلم عن الرياء وبعضهم فسر الغيب بالقلب وجعل الجار متعلقا بخشي أي خشي في قلبه ولم يكن مظهرا للخشية وليس بخاش قيل : ويجوز جعله حالا من الرحمن ولا يخفى حاله والكلام في خشي على طرز الكلام في أتبع فبشره بمغفرة عظيمة لما سلف وقيل : لما يفرط منه وأجر كريم 11 حسن لا يقادر قدره لما أن أسلف والفاء لترتيب البشارة أو الأمر بها على ما قبلها من إتباع الذكر والخشية وفي البحر لما أجدت فيه النذارة فبشره إلخ فلا تغفل وعن قتادة تفسير الأجر الكريم بالجنة والمراد نعيمها الشامل لما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر عل ىقلب بشر وأجل جميع ذلك رؤية الله عزوجل
وقوله سبحانه : إنا نحن نحيي الموتى إلخ تذييل عام للفريقين المصممين على الكفر والمشفعين بالإنذار ترهيبا وترغيبا ووعيدا ووعدا وتكرير الضمير لإفادة الحصر أو للتقوية وما ألطف هذا الضمير الذي عكسه كطرده ههنا وضمير العظمة للإشارة إلى جلالة الفعل والتأكيد للإعتناء بأمر الخبر أو لرد الإنكار فإن الكفرة كانوا يقولون : إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين أي إنا نحن نحيي الأموات جميعا ببعثهم يوم القيامة ونكتب ما قدموا ما أسلفوه من الأعمال الصالحة والطالحة وآثارهم التي أبقوها بعدهم من الحسنات كعلم علموه أو كتاب القوه أو حبيس وقفوه أو بناء في سبيل الله تعالى بنوه وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان وترتيب مباديء الشر والفساد فيما بين العباد وغير ذلك من فنون الشرور التي أحدثوها وسنوها بعدهم للمفسدين
أخرج إبن أبي حاتم عن جرير بن عبدالله البجلي قال : قال رسول الله من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئا ثم تلا ونكتب ما قدموا وآثارهم وعن أنس أنه قال في الآية : هذا في الخطو يوم الجمعة وفسر بعضهم الآثار بالخطا إلى المساجد مطلقا لما أخرج عبدالرزاق وإبن جرير وإبن المنذر والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري قال كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله تعالى إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم فدعاهم رسول الله فقال : إنه يكتب آثاركم ثم تلا عليهم الآية فتركوا
وأخرج الإمام أحمد في الزهد وإبن ماجه وغيرهما عن إبن عباس قال كانت الأنصار منازلهم بعيدة من المسجد فأرادوا أن ينتقلوا قريبا من المسجد فنزلت ونكتب ما قدموا وآثارهم فقالوا بل : نمكث مكاننا
وأنت تعلم أنه لا دلالة فيما ذكر على أن الآثار هي الخطا لا غير وقصارى ما يدل عليه أنها من الآثار فلتحمل الآثار على ما يعمها وغيرها وأستدل بهذين الخبرين ونحوهما على أن الآية مدنية
وقال أبو حيان : ليس ذلك زعما صحيحا وشنع عليه بما ورد مما يدل على ذلك وأنتصر له الخفاجي بأن الحديث الدال معارض بما في الصحيحين أن النبي قرأ لهم هذه الآية ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته عليه الصلاة و السلام لا تنافي تقدم النزول ومراد أبي حيان هذا لا أنه أنكر أصل الحديث ولا يخفى أن الحديثين

الصفحة 218