كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

السابقين ظاهران في ان الآية نزلت يومئذ وليس في حديث الصحيحين ما يعارض ذلك والعجب من الخفاجي كيف خفى عليه هذا وقيل ما قدموا من النيات وآثارهم من الأعمال والظاهر أن المراد بالكتابة الكتابة في صحف الملائكة الكرام الكاتبين ولكونها بأمره عزوجل أسندت إليه سبحانه وأخرت في الذكر عن الأحياء مع أنها مقدمة عليه لأن أثرها إنما يظهر بعده وعلى هذا يضعف تفسير ما قدموا بالنيات بناء على ما يدل عليه بعض الأخبار من أن النيات لا تطلع عليها الملائكة عليهم السلام ولا يؤمرون بكتابتها
وفسر بعضهم الكتابة بالحفظ أي نحفظ ذلك ونثبته في علمنا لا ننساه ولا نهمله كما يثبت المكتوب ولعلك تختار أن كتابة ما قدموا وآثارهم كناية عن مجازاتهم عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر وحينئذ فوجه ذكرها بعد الأحياء ظاهر
وعن الحسن والضحاك أن أحياء الله تعالى الموتى أن يخرجهم من الشرك إلى الإيمان وجعلا الموت مجازا عن الجهل وتعريف الموتى للعهد والكلام عليه توكيد الموعد المبشر به كأنه قيل : إنما ينفع إنذارك في هؤلاء لأنا نحييهم ونكتب صالح أعمالهم وآثارهم ولا يخفى ما في ذلك من البعد وقرأ زر ومسروق ويكتب بالياء مبنيا للمفعول وآثارهم بالفرفع وكل شيء من الأشياء كائنا ما كان والنصب على الإشتغال أي وأحصينا كل شيء أحصيناه أي بيناه وحفظناه وأصل الإحصاء العد ثم تجوز به عما ذكر لأن العد لأجله
في إمام أي أصل عظيم الشأن يؤتم ويقتدي به ويتبع ولا يخالف مبين 21 مظهر لما كان وسيكون وهو على ما في البحر حكاية عن مجاهد وقتادة وإبن زيد اللوح المحفوظ وبيان كل شيء فيه إذا حمل العموم على حقيقته بحيث يشمل حوادث الجنة وما يتجدد لأهلها من دون إنقطاع على ما نحو ما يحكي من بيان الحوادث الكونية في الجفر الجامع لكنه على طرز أعلا وأشرف ونحو هذا ما يقال غير واحد من إشتمال القرآن الكريم على كل شيء حتى أسماء الملوك ومدد ملكهم أو يقال إن بيان ذلك فيه ليس دفعة واحدة بل دفعات بأن يبين فيه جملة من الأشياء كحوادث ألف سنة مثلا ثم تمحى عند تمام الألف ويبين فيه جملة أخرى كحوادث ألف أخرى وهكذا والداعي لما ذكر أن اللوح عند المسلمين جسم وكل جسم متناه الأبعاد كما تشهد به الأدلة وبيان كل شيء فيه على الوجه المعروف لنا دفعة مقتض لكون المتناهي ظرفا لغير المتناهي وهو محال بالبديهة
وأذا أريد بكل شيء الأشياء التي في هذه النشأة وأفعال العباد وأحوالهم فيها فلا إشكال في البيان على الوجه المعروف دفعة
والذي يترجح عندي أن ما كتب في اللوح ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وهو متناه وبعض الآثار تشهد بذلك والمطلق منها محمول على المقيد وحقيقة اللوح لم يرد فيها ما يفيد القطع ولذا تمسك عن تعيينها وكون أحد وجهيه ياقوتة حمراء والثاني زمردة خضراء جاء في بعض الآثار ولا جزم لنا بصحته وكونه أحد المجردات وما من شيء إلا وهو يعلمه بالفعل مما لم يذهب إليه أحد من المسلمين وإنما هو من تخيلات الفلاسفة ومن حذا حذوهم فلا ينبغي أن يعول عليه وفسر بعضهم الإمام المبين بعلمه تعالى الأزلي كما فسر أم الكتاب في قوله تعالى : وعنده أم الكتاب به وهو أصل لا يكون في صفوف صنوف الممكنات ما يخالفه كما يلوح به قول الشافعي : خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن ووصفه بمبين لأنه مظهر فقد قالوا : العلم صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت به أو لأن إظهار الأشياء من

الصفحة 219