كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

قلت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم مالنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال فلم ير عني منه ذات يوم إلا نداءه على المنبر وهو يقول : إن المسلمين والمسلمات إلى آخر الآية وضمير مالنا للنساء على العموم ففي رواية أخرى رواها النسائي وجماعة عنها أيضا أنها قالت : قلت للنبي عليه الصلاة و السلام مالي أسمع الرجال يذكرون في القرآم والنساء لا يذكرون فأنزل الله تعالى إن المسلمين والمسلمات الآية
وفي بعض الآثار ما يدل على أن القائل غيرها أخرج الترمذي وحسنه والطبراني وعبد بن حميد وآخرون عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية إن المسلمين إلخ
وأخرج إبن جرير عن قتادة قال : دخل نساء على نساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقلن : قد ذكركن الله تعالى في القرآن وما يذكرنا بشيء أما فينا ما يذكر فأنزل الله تعالى إن المسلمين الآية وفي رواية أخرى عنه أنه قال لما ذكر أزواج النبي قال النساء : لو كان فينا خير لذكرنا فأنزل الله تعالى الآية
ولا مانع أن يكون كل ذلك وعطف الإناث على الذكور كالمسلمات على المسلمين والمؤمنات على المؤمنين ضروري لأن تغاير الذوات المشتركة في الحكم يستلزم العطف مالم يقصد السرد على طريق التعديد وعطف الزوجين أعني مجموع كل مذكر ومؤنث كعطف مجموع المؤمنين والمؤمنات على مجموع المسلمين والمسلمات غير لازم وإنما أرتكب ههنا للدلالة على أن مدار إعداد ما أعد لهم جمعهم بين هذه النعوت الجميلة
وذكر الفروج متعلقا للحفظ لكونها مركب الشهوة الغالبة وذكر الأسم الجليل متعلقا للذكر لأنه الأسم الأعظم المشعر بجميع الصفات الجليلة وحذف متعلق كل من الحافظات والذاكرات لدلالة ما تقدم عليه وجعل الذكر آخر الصفات لعمومه وشرفه ولذكر الله أكبر وتذكير الضمير في أعد الله لهم لتغليب الذكور على الإناث وإلا فالظاهر لهم ولهن ولله تعالى در التنزيل أشار في أول الآية وآخرها إلى أفضلية الذكور على الإناث وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أي ما صح وما أستقام لرجل ولا أمرأة من المؤمنين
إذا قضى الله ورسوله أمرا أي قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وذكر الله تعالى لتعظيم أمره بالإشارة إلى أنه عليه الصلاة و السلام بمنزلة من الله تعالى بحيث تعد أوامره أوامر الله عزوجل أو للإشعار بأن ما يفعله صلى الله تعالى عليه وسلم إنما يفعله بأمره لأنه لا ينطق عن الهوى فالنظم إما من قبيل فأن لله خمسه وللرسول أو من قبيل فالله ورسوله أحق أن يرضوه أن يكون لهم الخيرة من أمرهم أي أن يختاروا من أمرهم ما شاؤا بل يجب عليهم أن يجعلوا رأيهم تبعا لرأيه عليه الصلاة و السلام وإختيارهم تلوا لإختياره
والخيرة مصدر من تخير كالطيرة مصدر من تطير ولم يجيء على ما قيل مصدر بهذه الزنة غيرهما وقيل : هي صفة مشبهة وفسرت بالمتخير و من أمرهم متعلق بها أو بمحذوف وقع حالا منها وجمع الضمير في لهم رعاية للمعنى لوقوع مؤمن ومؤمنة في سياق النفي والنكرة الواقعة في سياقه تعم وكان من حقه على ما في الكشاف توحيده كما تقول : ما جاءني من أمرأة ولا رجل إلا كان من شأنه كذا : وتعقبه أبو حيان بأن هذا عطف بالواو والتوحيد في العطف بأو نحو من جاءك من شريف أو وضيع أكرمه فلا يجوز إفراد الضمير في ذاك إلا بتأويل الحذف
وجمعه في أمرهم مع أنه للرسول أوله ولله عزوجل للتعظيم على ما قيل

الصفحة 22