كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

خزائن العدم يكون بعد تعلقه فإن القدرة إنما تتعلق بالشيء بعد العلم فالشيء يعلم أولا ثم يراد ثم تتعلق القدرة بإيجاده فيوجد ولا يخفى ما في هذا التفسير من إرتكاب خلاف الظاهر وعليه فلا كلام في العموم نعم في كيفية وجود الأشياء في علمه تعالى كلام طويل محله كتب الكلام وعن الحسن أنه أريد به صحف الأعمال وليس بذاك وحكى لي عن بعض غلاة الشيعة أن المراد بالإمام المبين علي كرم الله تعالى وجهه وإحصاء كل شيء فيه من باب : ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد ومنهم من يزعم أن ذلك على معنى جعله كرم الله تعالى وجهه خزانة للمعلومات على نحو اللوح المحفوظ ولا يخفى ما في ذلك من عظيم الجهل بالكتاب الجليل نسأل الله تعالى العفو والعافية ويمكن أن يقال : إنهم أرادوا بذلك نحو ما أراده المتصوفة في إطلاقهم الكتاب المبين على الإنسان الكامل إصطلاحا منهم على ذلك فيهون أمر الجهل وكمال علي كرم الله تعالى وجهه لا ينكره إلا ناقص العقل عديم الدين
وقرأ أبو السمأل وكل بالرفع على الإبتداء وأضرب لهم مثلا أصحاب القرية إما عطف على ما قبله عطف القصة على القصة وأما عطف على مقدر أي فأنذرهم وأضرب لهم إلخ وضرب المثل يستعمل تارة في تطبيق حالة غريبة بأخرى مثلها كما في قوله تعالى ضرب الله مثلا للذين كفروا أمرأة نوح الآية وأخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها كما في قوله تعالى وضربنا لكم الأمثال في وجه أي بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال فالمعنى على الأول أجعل أصحاب القرية مثلا لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب أي طبق حالهم بحالهم على أن مثلا مفعول ثان لا ضرب وأصحاب القرية مفعوله الأول أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه وعلى الثاني أذكر وبين لهم قصة هي في الغرابة كالمثل وقوله سبحانه أصحاب القرية بتقدير مضاف أي مثل أصحاب القرية وهذا المضاف بدل من مثلا بدل كل من كل أو عطف بيان له على القول بجواز إختلافهما تعريفا وتنكيرا وجوز أن يكون المقدر مفعولا وهذا حالا والقرية كما روى عن إبن عباس وبريدة وعكرمة إنطاكية وفي البحر إنها هي بلا خلاف إذ جاءها المرسلون 31 بل إشتمال من أصحاب القرية أو ظرف للمقدر وجوز أن يكون بدل كل من أصحاب مرادا بهم قصتهم وبالظرف ما فيه وهو تكلف لا داعي إليه وقيل إذ جاءها دون إذ جاءهم إشارة إلى أن المرسلين أتوهم في مقرهم والمرسلون عند قتادة وغيره من أجلة المفسرين رسل عيسى عليه السلام من الحواريين بعثهم حين رفع إلى السماء ونسبة إرسالهم إليه تعالى في قوله سبحانه : إذ أرسلنا إليهم إثنين بناء على أنه كان أمره تعالى لتكميل التمثيل وتتميم التسلية وقال إبن عباس وكعب هم رسل الله تعالى : وأختاره بعض الأجلة وأدعى أن الله تعالى أرسلهم ردءا لعيسى عليه السلام مقررين لشريعته كهرون لموسى عليهما السلام وأيد بظاهر إذ أرسلنا إليهم إثنين وقول المرسل إليهم ما أنتم إلا بشر مثلنا إذ البشرية تنافي على زعمهم الرسالة من الله تعالى لا من غيره سبحانه وأستدل البعض على ذلك بظهور المعجزة كإبراء الأكمه وأحياء الميت على أيديهم كما جاء في بعض الآثار والمعجزة مختصة بالنبي على ما قرر في

الصفحة 220