كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

الكلام ومن ذهب إلى الأول أجاب عن الأول بما سمعت وعن الثاني بأنهم إما أن يكونوا دعوهم على وجه فهموا منه أنهم مبلغون عن الله تعالى دون واسطة أو أنهم جعلوا الرسل بمنزلة مرسلهم فخاطبوهم بما يبطل دسالته ونزلوه منزلة الحاضر تغليبا فقالوا ما قالوه وعن الثالث بأن ما ظهر على أيديهم أن صح الأثر كان كرامة لهم في معنى المعجزة لعيسى عليه السلام ولا يتعين كونه معجزة لهم إلا إذا كانوا قد أدعوا الرسالة من الله تعالى بدون واسطة وهو أول المسئلة و إذ بدل من إذ الأولى والإثنان قيل يوحنا وبولس وقال مقاتل تومان وبولس وقال شعيب الجبائي شمعون ويوحنا وقال وهب وكعب : صادق وصدوق وقيل نازوص وماروص
وقيل أرسلنا إليهم دون أرسلنا إليها ليطابق إذ جاءها لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضا التعقيب بقوله تعالى فكذبوهما عليه أظهر وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى : فقلنا أضرب بعصاك الحجر فأنفجرت وسميت الفاء الفصيحة لأنها تفصح عن فعل محذوف وكان أصحاب القرية إذ ذاك عباد أصنام فعززنا أي قويناهما وشددنا قاله مجاهد وإبن قتيبة وقال يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب وقال غيره : يقال عزز المطر الأرض إذا لبدها وشدها ويقال للأرض الصلبة العزاز ومنه العز بمعناه المعروف ومفعول الفعل محذوف أي فعززناهما بثالث لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به
وهو على ما روى عن إبن عباس شمعون الصفا ويقال سمعان أيضا وقال وهب وكعب : شلوم وعند شعيب الجبائي بولص بالصاد وبعضهم يحكيه بالسين وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو بكر والمفضل وأبان فعززنا بالتخفيف وهو والتشديد لغتان كشدة وشدده فالمعنى واحد وقال أبو علي المخفف من عزه إذا غلبه ومنه قولهم من عزيز أي من غلب سلب وامعنى عليه فغلبناهم بحجة ثالث وقرأ عبدالله بالثالث فقالوا عطف على فكذبوهما فعززنا والفاء للتعقيب أي فقال الثلاثة بعد تكذيب الأثنين والتعزيز بثالث إنا إليكم مرسلون 41 ولا يضر في نسبة القول إلى الثلاثة سكوت البعض إذ يكفي الإتفاق بل قالوا طريقة التكلم مع الغير كون المتكلم واحدا والغير متفقا معه قالوا أي أصحاب القرية مخاطبين للثلاثة ما أنتم إلا بشر مثلنا من غير مزية لكم علينا موجبة لإختصاصكم بما تدعونه ورفع بشر لإنتقاض النفي بالأفانماعملت حملا على ليس فإذا أنتقض نفيها بدخول إلا على الخبر ضعف الشبه فيها فبطل عملها خلافا ليونس ومثل صفة بشر ولم يكتسب تعريفا بالإضافة كما عرف في النحو وما أنزل الرحمن من شيء مما تدعون من الوحي على أحد وظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام وكان تخصيص هذا الأسم الجليل من بين أسمائه عزوجل لزعمهم أن الرحمة تأبى إنزال الوحي لإستدعائه تكليفا لا يعود منه نفع له سبحانه ولا يتوقف إيصاله تعالى الثواب إلى العبد عليه وقيل ذكر الرحمن في الحكاية لا في المحكي وهم قالوا لا إله ولا رسالة لما في بعض الآثار أنهم قالوا ألنا أله سوى آلهتنا والتعبير به لحلمه تعالى عليهم ورحمته سبحانه إياهم بعدم تعجيل العذاب آن إنكارهم ولعل ما تقدم أولى وأظهر ولا جزم بصحة ما ينافيه من الأثر
إن أنتم إلا تكذبون 51 فيما تدعون وهذا تصريح بما قصدوه من الجملتين السابقتين وإختيار تكذبون

الصفحة 221