كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وأما نحن فلا شؤم معنا لأنا ندعوا إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وفيه غاية اليمن والخير والبركة وعن أبي عبيدة والمبرد طائركم أي حظكم ونصيبكم من الخير والشر معكم من أفعالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر
وقرأ الحسن وإبن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش طيركم بياء ساكنة بعد الطاء قال الزجاج : الطائر والطير بمعنى وفي القاموس الطير جمع طائر وقد يقع على الواحد وذكر أن الطير لم يقع في القرآن الكريم إلا جمعا كقوله تعالى : والطير صافات فإذا كان في هذه القراءة كذلك فطائر وإن كان مفردا لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع فالقراءتان متوافقتان وعن الحسن أنه قرأ أطيركم مصدر اطير الذي أصله تطير فأدغمت التاء في الطاء فأجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر أئن ذكرتم بهمزتين الأولى همزة الإستفهام والثانية همزة إن الشرطية حققها الكوفيون وإبن عامر وسهلها باقي السبعة
وأختلف سيبويه ويونس فيما إذا أجتمع إستفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى إجابة الإستفهام أي تقدير المستفهم عنه وكأنه يستغنى به عن تقدير جواب الشرط فالمعنى عليه أئن ذكرتم ووعظتم بما فيه سعادتكم تتطيرون أو تتوعدون أو نحو ذلك ويقدر مضارع مرفوع وإن شئت قدرت ماضيا كتطيرتم
وذهب يونس إلى إجابة الشرط وكأنه يستغنى به عن إجابة الإستفهام وتقدير مصب له فالتقدير أئن ذكرتم تتطيروا أو نحوه مما يدل عليه ما قبل ويقدر مضارع مجزوم وإن شئت قدرت ماضيا مجزوم المحل وقرأ زر بهمزتين مفتوحتين وهي قراءة أبي جعفر وطلحة إلا أنهما لينا الثانيةبين بين وعلى تحقيقهما جاء قول الشاعر : إن كنت داؤد بن أحوى مرجلا فلست براع لإبن عمك محرما فالهمزة الأولى للإستفهام والثانية همزة أن المصدرية والكلام على تقدير حرف لام الجر أي الآن ذكرتم تطيرتم وقرأ الماجشون يوسف بن يعقوب المدني بهمزة واحدة مفتوحة فيحتمل تقدير همزة الإستفهام فتتحد هذه القراءة والتي قبلها معنى ويحتمل عدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر وهو على ما قيل مسوق للتعجب والتوبيخ وتقدير حرف الجر على حاله والجار متعلق بمحذوف على ما يشعر به كلام الكشاف أي تطيرتم لأن ذكرتم وقال إبن جني إن ذكرتم على هذه القراءة معمول طائركم معكم فإنهم لما قالوا إنا تطيرنا بكم أجيبوا بل طائركم معكم إن ذكرتم أي هو معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا فأكتفى بالسبب الذي هو التذكير عن المسبب الذي هو الإنتهاء كما وصفوا الطائر موضع مسببه وهو التشاؤم لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيب الغراب أو بروحه وقرأ الحسن بهمزة واحدة مكسورة وفي ذلك إحتمالان تقدير الهمزة فتتحد هذه القراءة وقراءة الجمهور وعدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر والجواب محذوف لدلالة ما قبل عليه وتقديره كما تقدم وقرأ أبو عمرو في رواية وزر أيضا بهمزتين مفتوحتين بينهما مدة كأنه أستثقل إجتماعهما ففصل بينهما بألف وقرأ أيضا أبو جعفر والحسن وكذا قرأ قتادة والأعمش وغيرهما أين بهمزة مفتوحة وياء ساكنة وفتح النون ذكرتم بتخفيف الكاف على أن أين ظرف أداة شرط وجوابها محذوف لدلالة طائركم عليه على ما قيل أي أين ذكرتم صحبكم طائركم والمراد شؤمكم معكم حيث جرى ذكركم وفيه من المبالغة بشؤمهم ما لا يخفى
وفي البحر من جوز تقديم الجزاء على الشرط وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد يجوز أن يكون الجواب طائركم معكم وكان أصله أين ذكرتم فطائركم معكم فلما قدم حذفت الفاء بل أنتم قوم مسرفون 91 أي عادتكم

الصفحة 224