كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وقال بعض الأجلة : لم يظهر عندي إمتناع أن يكون عائدا على ما عاد عليه الأول على أن يكون المعنى ناشئة من أمرهم أي دواعيهم السائقة إلى إختيار خلاف ما أمر الله ورسوله أو يكون المعنى الإختيار في شيء من أمرهم أي أمورهم التي يعنونها ويرجح عوده على ما ذكر بعدم التفكيك ورد بأن ذاك قليل الجدوى ضرورة أن الخيرة ناشئة من دواعيهم أو واقعة في أمورهم وهو بين مستغن عن البيان بخلاف ما إذا كان المعنى بدل أمره الذي قضاه عليه الصلاة و السلام أو متجاوزين عن أمره لتأكيده وتقريره للنفي وهذا هو المانع من عوده إلى ما عاد عليه الأول والحق أنه لا مانع من ذلك على أن يكون المعنى ما كان للمؤمنين أن يكون لهم إختيار في شيء من أمورهم إذا قضى الله ورسوله لهم أمرا ولا نسلم أن ما عد مانعا مانع فتدبر
ولعل الفائدة في العدول عن الظاهر في الضمير الأول على ما قال الطيبي الإيذان بأنه كما لا يصح لكل فرد فرد من المؤمنين أن يكون لهم الخيرة كذلك لا يصح أن يجتمعوا ويتفقوا على كلمة واحدة لأن تأثير الجماعة وإتفاقهم أقوى من تأثير الواحد ويستفاد منه فائدة الجمع في الضمير الثاني على تقدير عوده على ما عاد عليه الأول وكذا وجه أفراد الأمر إذا أمعن النظر وقرأ الحرميان والعربيان وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة والأعرج وعيسى تكون بتاء التأنيث والوجه ظاهر ووجه القراءة بالياء وهي قراءة الكوفيين والحسن والأعمش والسلمي أن المرفوع بالفعل مفصول مع كون تأنيثه غير حقيقي وقريء كما ذكر عيسى بن سليمان الخيرة بسكون الياء ومن يعص الله ورسوله في أمر من الأمور ويعمل فيه برأيه فقد ضل طريق الحق ضلالا مبنيا 63 أي بين الإنحراف عن سنن الصواب والظاهر أن هذا في الأمور المقضية على ما يشعر به السوق والآية على ما روى عن إبن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم نزلت في زينب بنت جحش من عمته صلى الله تعالى عليه وسلم أميمة بنت عبدالمطلب وأخيها عبدالله خطبها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لمولاه زيد بن حارثة وقال : إني أريد أزوجك زيد بن حارثة فإني قد رضيته لك فأبت وقالت : يارسول الله لكني لا أرضاه لنفسي وأنا أيم قومي وبنت عمتك فلم أكن لأفعل
وفي رواية أنها قالت : أنا خير منه حسبا ووافقها أخوها عبدالله على ذلك فلما نزلت الآية رضيا وسلما فأنكحها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم زيدا بعد أن جعلت أمرها بيده وساق إليها عشرة دنانير وستين درهما مهرا وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا وخمسين مدأ من طعام وثلاثين صاعا من تمر
وأخرج إبن أبي حاتم عن إبن زيد قال نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت أول أمرأة هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فزوجها زيد بن حارثة فحطت هي وأخوها وقالت إنما أردنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فزوجنا عبده وإذ تقول خطاب للنبي أي أذكر وقت قولك للذي أنعم الله عليه بتوفيقه للإسلام وتوفيقك لحسن تربيته وعتقه ومراعاته وتخصيصه بالتبني ومزيد القرب وأنعمت عليه بالعمل بما وفقك الله تعالى له من فنون الإحسان التي من جملتها تحريره وهو زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وإيراده بالعنوان المذكور كما قال شيخ الإسلام : لبيان منافاة حاله لما

الصفحة 23