كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

صدر عنه عليه الصلاة و السلام من إظهار خلاف ما في ضميره الشريف إذ هو إنما يقع عند الإستحياء والإحتشام وكلاهما مما لا يتصور في حق زيد رضي الله تعالى عنه وجوز أن يكون بيانا لحكمة إخفائه ما أخفاه لأن مثل ذلك مع مثله ما يطعن به الناس كما قيل : وأظلم خلق الله من بات حاسدا لمن كان في نعمائه يتقلب أمسك عليك زوجك أي زينب بنت جحش وذلك أنها كانت واحدة ولا زالت تفخر على زيد بشرفها ويسمع منها ما يكره فجاء رضي الله تعالى عنه يوما إلى النبي فقال : يارسول الله إن زينب قد أشتد على لسانها وأنا أريد أن أطلقها فقال له عليه الصلاة و السلام : أمسك عليك زوجك وأتق الله في أمرها ولا تطلقها ضرارا وتعلالا بتكبرها وإشتداد لسانها عليك وتعدية أمسك بعلي لتضمينه معنى الحبس
وتخفي في نفسك ما الله مبديه عطف على تقول وجوزت الحالية بتقدير وأنت تخفي أو بدونه كما هو ظاهر كلام الزمخشري في مواضع من كشافه والمراد بالموصول على ما أخرج الحكيم الترمذي وغيره عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما ما أوحى الله تعالى به إليه أن زينب سيطلقها زيد ويتزوجها بعد عليه الصلاة و السلام وإلى هذا ذهب أهل التحقيق من المفسرين كالزهري وبكر بن العلاء والقشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم ونخشى الناس تخاف من إعتراضهم وقيل : أي تستحي من قولهم : إن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم تزوج زوجة إبنه والمراد بالناس الجنس والمنافقون وهذا عطف على ما تقدم أو حال
وقوله : والله أحق أن تخشاه في موضع الحال لا غير والمعنى والله تعالى وحده أحق أن تخشاه في كل أمر فتفعل ما أباحه سبحانه لك وأذن لك فيه والعتاب عند من سمعت على قوله عليه الصلاة و السلام ذلك مع أمسك مع علمه بأنه سيطلقها ويتزوجها هو صلى الله تعالى عليه وسلم بعده وهو عتاب على ترك الأولى
وكان الأولى في مثل ذلك أن يصمت عليه الصلاة و السلام أو يفوض الأمر إلى رأي زيد رضي الله تعالى عنه
وأخرج جماعة عن قتادة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يخفي إرادة طلاقها ويخشى قالة الناس إن أمره بطلاقها وأنه عليه الصلاة و السلام قال له : أمسك عليك زوجك وأتق الله وهو يحب طلاقها والعتاب عليه على ظهار ما ينافي الإضمار وقد ورد ذلك القاضي عياض في الشفاء وقال : لا تسترب في تنزيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن هذا الظاهر وأنه يأمر زيدا بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها كما ذكره جماعة من المفسرين إلى آخرها ما قال
وذكر بعضهم أن إرادته صلى الله تعالى عليه وسلم طلاقها وحبه إياه كان مجرد خطوره بباله الشريف بعد العلم بأنه يريد مفارقتها وليس هناك حسد منه عليه الصلاة و السلام وحاشاه له عليها فلا محذور والأسلم ما ذكرناه عن زين العابدين رضي الله تعالى عنه والجمهور وحاصل العتاب لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه مبدي ما أخفاه عليه الصلاة و السلام ولم يظهر غير تزويجها منه فقال سبحانه : زوجناكها فلو كان المضمر محبتها وإرادة طلاقها ونحو ذلك لأظهره جل وعلا وللقصاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول
منه ما أخرجه إبن سعد والحاكم عن محمد بن يحيى بن حبان أنه جاء إلى بيت زيد فلم يجده وعرضت

الصفحة 24