كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

زينب عليه دخول البيت فأبى أن يدخل وأنصرف راجعا يتكلم بكلام لم تفهم منه سوى سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب فجاء زيد فأخبرته بما كان فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له : بلغني يارسول الله إنك جئت منزلي فهلا دخلت يارسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها فقال عليه الصلاة و السلام : أمسك عليك زوجك وأتق الله فما أستطاع زيد إليها سبيلا بعد ففارقها وفي تفسير علي بن إبراهيم أنه أتى بيت زيد فرأى زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر لها فلما نظر إليها قال : سبحان خالق النور تبارك الله أحسن الخالقين فرجع فجاء زيد فأخبرته فقال لها : لعلك وقعت في قلب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فهل لك أن أطلقك حتى يتزوجك رسول الله عليه الصلاة و السلام فقالت : أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني فجاء إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له : أريد أن أطلق زينب فأجابه بما قص الله تعالى إلى غير ذلك مما على المتتبع وفي شرح المواقف أن هذه القصة مما يجب صيانة النبي عن مثله فإن صحت فميل القلب غير مقدور مع ما فيه من الإبتلاء لهما والظاهر أن الله تعالى لما أراد نسخ تحريم زوجة المتنبي أوحى إليه عليه الصلاة و السلام أن يتزوج زينب إذا طلقها زيد فلم يبادر له صلى الله تعالى عليه وسلم مخافة طعن الأعداء فعوتب عليه وهو توجيه وجيه قاله الخفاجي عليه الرحمة ثم قال : إن القصة شبيهة بقصة داؤد عليه السلام لا سيما وقد كان النزول عن الزوجة في صدر الهجرة جاريا بينهم من غير حرج فيه إنتهى وأبعد بعضهم فزعم أن وتخفي إلخ خطاب كسابقه من الله عزوجل أو من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لزيد فإنه أخفى الميل إليها وأظهر الرغبة عنها لما وقع في قلبه أن النبي يود أن تكون من نسائه هذا وفي قوله تعالى أمسك عليك زوجك وصول الفعل الرافع الضمير المتصل إلى الضمير المجرور وهما لشخص واحد فهو كقوله : هون عليك ودع عنك نهبا صيح في حجراته وذكروا في مثل هذا التركيب أن علي وعن أسمان ولا يجوز أن يكونا حرفين لإمتناع فكر فيك وأعين بك بل هذا مما تكون فيه النفس أي فكر في نفسك وأعين بنفسك والحق عندي جواز ذلك التركيب مع حرفية علي وعن فلما قضى زيد منها وطرا أي طلقها كما روى عن قتادة وهو كناية عن ذلك مثل لا حاجة لي فيك ومعنى الوطر الحاجة وقيدها الراغب بالمهمة وقال أبو عبيدة : هو كالأدب وأنشد للربيع بن ضبع : ودعنا قبل أن نودعه لما قضى من شبابنا وطرا ويفسر الأدب بالحاجة الشديدة المقتضية للإحتيال في دفعها ويستعمل تارة في الحاجة المفردة وأخرى في الإحتيال وإن لم تكن حاجة وقال المبرد : هو الشهوة والمحبة يقال : ما قضيت من لقائك وطرا أي ما أستمتعت منك حتى تنتهي نفسي وأنشد : وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما قضى وطرا منها جميل بن معمر وعن إبن عباس تفسير الوطر هنا بالجماع والمراد لم يبق له بها حاجة الجماع وطلقها وفي البحر نقلا عن بعضهم أنه رضي الله تعالى عنه لم يتمكن من الإستمتاع بها وروى أبو عصمة نوح بن أبي مريم بإسناد رفعه إليها أنها قالت : ما كنت أمتنع منه غير أن الله عزوجل منعني منه وروى أنه كان يتورم ذلك منه حين يريد أن يقربها فيمتنع
قيل : ولا يخفى أنه على هذا يحسن جدا جعل قضاء الوطر كناية عن الطلاق فتأمل وفي الكلام تقدير

الصفحة 25