كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

النكاح بلا صداق وقال الضحاك : من الزيادة على الأربع سنة الله أي سن الله تعالى ذلك سنة فهو مصدر منصوب بفعل مقدر من لفظه والجملة مؤكدة لما قبلها من نفي الحرج وذهب الزمخشري إلى أنه أسم موضوع موضع المصدر كقولهم : تربا وجندلا أي رغما وهوانا وخيبة وكأنه لم تثبت عنده مصدريته وقيل : منصوب بتقدير ألزم ونحوه
قال إبن عطية : ويجوز أن يكون نصبا على الإغراء كأنه قيل : فعليه سنة الله وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بجيد لأن عامل الأسم في الإغراء لا يجوز حذفه وأيضا تقدير فعليه سنة الله بضمير الغائب لا يجوز إذ لا يغرى غائب وقولهم عليه رجلا ليتسنى مؤول وهو مع ذلك نادر وأعترض بأن قوله : لأن عامل الأسم في الإغراء لا يجوز حذفه ممنوع وهو خلاف ما يفهم من كتب النحو وبأن ما ذكره في أمر إغراء الغائب مسلم لكن يمكن توجيهه ههنا كما لا يخفى ثم قيل : إن ظاهر كلام إبن عطية يشعر بأن النصب بتقدير ألزم قسيم للنصب على الإغراء وليس كذلك بل هو قسم منه فتدبر
في الذين خلوا أي مضوا من قبل أي من قبلك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حيث لم يخرج جل شأنه عليهم في الإقدام على ما أحل لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره وقد كانت تحتهم المهائر والسراري وكانت لداؤد عليه السلام مائة أمرأة وثلاثمائة سرية ولسليمان عليه السلام ثلثمائة أمرأة وسبعمائة سرية
وأخرج إبن سعد عن محمد بن كعب القرظي أنه كان له عليه السلام ألف أمرأة ولظاهر أنه عني بالمرأة ما يقابل السرية ويحتمل أنه أراد بها الأعم فيوافق ما قبله يروى أن اليهود قاتلهم الله تعالى عابوه وحاشاه من العيب صلى الله تعالى عليه وسلم بكثرة النكاح وكثرة الأزواج فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه : سنة الله الآية
وقيل : إنه جل وعلا أشار بذلك إلى ما وقع لداؤد عليه السلام من تزوجه أمرأة أوريا وأخرج ذلك إبن المنذر والطبراني عن إبن جريج وأسم تلك الأمرأة عنده اليسية وهذا مما لا يلتفت إليه والقصة عند المحققين لا أصل لها وكان أمر الله قدرا مقدورا 83 أي عن قدر أو ذا قدر ووصفه بمقدور وصف الظل بالظليل والليل بالأليل في قولهم ظل ظليل وليل أليل في قصد التأكيد والمراد بالقدر عند جمع المعنى المشهور للقضاء وهو الإرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه وجوز كونه بالمعنى المشهور له وهو إيجاد الأشياء على قدر مخصوص وكمية معينة من وجوه المصلحة وغيرها والمعنى الأول أظهر والقضاء والقدر يستعمل كل منهما بمعنى الآخر وفسر الأمر بنحو ما فسر به فيما سبق وجوز أن يراد به الأمر الذي هو واحد الأوامر من غير تأويل ويراد أن أتباع أمر الله تعالى المنزل على أنبيائه عليهم السلام والعمل بموجبه لازم مقضى في نفسه أو هو كالمقضى في لزوم إتباعه ولا يخفى تكلفه وظاهر كلام الإمام إختيار أن الأمر واحد الأمور وفرق بين القضاء والقدر بما لم نقف عليه لغيره فقال ما حاصله القضاء ما يكون مقصودا له تعالى في الأصل والقدر ما يكون تابعا والخير كله بقضاء وما في العالم من الضرر بقدر كالزنا والقتل ثم بنى على ذلك لطيفة وهو أنه لما قال سبحانه : زوجناكها ذيله بأمرا مفعولا لكونه مقصودا أصليا وخيرا مقضيا ولما قال جل شأنه : سنة الله في الذين خلوا إشارة إلى قصة داؤد عليه السلام حيث أفتتن بأمرأة أوريا قال سبحانه : قدرا مقدورا لكون الإفتتان شرا غير مقصود أصلي من خلق المكلف وفيه ما فيه والجملة إعتراض وسط بين الموصولين

الصفحة 27