كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

إن شاء الله تعالى والرجال جمع رجل بضم الجيم كما هو المشهور وسكونه وهو على ما في القاموس الذكر إذا أحتلم وشب أو هو رجل ساعة يولد وفي بعض ظواهر الآيات والأخبار ما هو مؤيد للثاني نحو قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وقوله سبحانه : وإن كان رجل يورث كلالة ونحو قوله عليه الصلاة و السلام : فلأولى رجل ذكر والبحث الذي ذكره بعض أجلة المتأخرين فيما ذكر من الأمثلة لا يدفع كون الظاهر منها ذلك عند المنصف وقد يذكر لتأييد الأول قوله تعالى : والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان فإن الرجال فيه للبالغين وفيه بحث نعم ظاهر كلام الزمخشري وهو إمام له قدم راسخة في اللغة وغيرها من العلوم العربية يدل على أن الرجل هو الذكر البالغ وأياما كان فإضافة رجال إلى ضمير المخاطبين بإعتبار الولاد فإن أريد بالرجال الذكور البالغون فالمعنى ما كان محمد أبا أحد من أبنائكم أيها الناس الذكور البالغين الذين ولدتموهم وإن أريد بهم الذكور مطلقا فالمعنى ما كان محمد أبا أحد من أبنائكم الذين ولدتموهم مطلقا كبارا كانوا أو صغارا
والأب حقيقة لغوية في الوالد على ما يفهم من كلام كثير من اللغويين والمراد بالأبوة المنفية هنا الأبوة الحقيقية الشرعية التي يترتب عليها أحكام الأبوة الحقيقية اللغوية من الأرث ووجوب النفقة وحرمة المصاهرة سواء كانت بالولادة أو بالرضاع أو بتبني من يولد مثله لمثله وهو مجهول النسب فحيث نفى كونه صلى الله تعالى عليه وسلم أبا أحد من رجالهم بأي طريق كانت الأبوة ومن المعلوم أن زيدا أحد من رجالهم تحقق نفي كونه عليه الصلاة و السلام أبا له مطلقا أما كونه صلى الله تعالى عليه وسلم ليس أبا له بالولادة فمما لا نزاع فيه ولم يتوهم أحد خلافه ومثله كونه عليه الصلاة و السلام ليس أبا له بالرضاع وأما كونه صلى الله تعالى عليه وسلم ليس أبا له بالتبني مع تحقق تبنيه عليه الصلاة و السلام فلأن الأبوة بالتبني التي نفيت إنما هي الأبوة الحقيقية الشرعية وما كان من التبني لا يستتبعها لتوقفها شرعا على شرائط منها كون المتبني مجهول النسب وذلك منتف في زيد فقد كان معروف النسب فيما بينهم وقد تقدم لك أنه إبن حارثة وتعميم نفي أبوته صلى الله تعالى عليه وسلم لأحد من رجالهم بحيث شمل نفي الأبوة بالولادة والأبوة بالرضاع والأبوة بالتبني مع أنه لا كلام في إنتفاء الأوليين وإنما الكلام في إنتفاء الأخيرة فقط إذ هي التي يزعمها من يقول : تزوج محمد عليه الصلاة و السلام زوجة إبنه للمبالغة في نفي الأبوة بالتبني التي زعموا ترتب أحكام الأبوة الحقيقة عليها بنظم ما خفى في سلك ما لا خفاء فيه أصلا
ولعل هذا هو السر في قوله سبحانه ما كان محمد أبا أحد من رجالكم دون ما كان محمد أبا أحد من الرجال أو ما كان محمد أبا أحد منكم ولعله لهذا أيضا صرح بنفي أبوته صلى الله تعالى عليه وسلم لأحد من رجالهم ليعلم منه نفي بنوة أحد من رجالهم له عليه الصلاة و السلام ولم يعكس الحال بأن يصرح بنفي بنوة أحد من رجالهم له عليه الصلاة و السلام ليعلم نفي أبوته صلى الله تعالى عليه وسلم لأحد من رجالهم ويؤتى بما بعد على وجه ينتظم مع ما قبل وبحمل الأبوة المنفية على الأبوة الحقيقية الشرعية ينحل أشكال في الآية وهو أن سياقها لنفي أبوته عليه الصلاة و السلام لزيد ليرد به على من يعترض على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بتزوجه مطلقته فإن أريد بالأبوة الأبوة الحقيقية اللغوية وهي ما يكون بالولادة لم تلائم السياق ولم يحصل بها الرد المذكور مع أنه هو المقصود إذ لم يكن أحد يزعم ويتوهم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان أبا زيد بالولادة وإن أريد بها الأبوة المجازية التي تحقق بالتبني ونحوه فنفيها غير صحيح لأنه عليه الصلاة و السلام كان

الصفحة 30