كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أبا لزيد مجازا لتبنيه إياه ولم يزل زيد يدعى بإبن محمد صلى الله تعالى عليه وسلم حتى نزل قوله تعالى : أدعوهم لآبايهم فدعوه حينئذ بإبن حارثة ووجه إنحلاله بما ذكرنا من أن المراد بالأبوة الحقيقية الشرعية أن هذه الأبوة تكون بالولادة وبالرضاع وبالتبني بشرطه وهي بأنواعها غير متحققة في زيد أما عدم تحققها بالنوعين الأولين فظاهر وأما عدم تحققها بالنوع الأخير فلأن التبني وإن وقع إلا أن شرطه الذي به يستتبع الأبوة الحقيقية الشرعية مفقود كما علمت وبجعل إضافة الرجال إلى ضمير المخاطبين بإعتبار الولادة يندفع إستشكال النفي المذكور بأنه عليه الصلاة و السلام قد ولد له عدة ذكور فكيف يصح النفي لأن من ولد له عليه الصلاة و السلام ليس مضافا للمخاطبين بإعتبار الولادة بل هو مضاف إليه صلى الله تعالى عليه وسلم بإعتباره ومن خص الرجال بالبالغين قال : لا ينتقص العموم بذلك لأن جميع من ولد له عليه الصلاة و السلام مات صغيرا ولم يبلغ مبلغ الرجال وقيل : لا إشكال في ذلك لأنه عليه الصلاة و السلام لم يكن له إبن يوم نزول الآية لأن السورة مدنية نزلت على ما نقل عن إبن الأثير في تاريخ الكامل السنة الخامسة من الهجرة وفيها تزوج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بزينب ومن ولد له صلى الله تعالى عليه وسلم من الذكور ممن عدا إبراهيم فإنما ولد بمكة قبل الهجرة وتوفي فيها وإبراهيم وإن ولد بالمدينة لكن ولد السنة الثامنة من الهجرة فلم يكن مولودا يوم النزول بل بعده وهو كما ترى وكما أستشكل النفي بما ذكر أستشكل بالحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما فقد كان النبي أبا لهما حقيقة شرعية ولم يرتض بعضهم هنا الجواب بخروجهما بالإضافة لأن لهما نسبة إلى المخاطبين بإعتبار الولادة لدخول علي كرم الله تعالى وجهه فيهم وهما ولداه وأرتضاه آخر بناء على أن الإضافة للإختصاص بإعتبار الولادة ولا إختصاص للحسنين بعلي رضي الله تعالى عنهم بإعتبارها لما أنهما ولدا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أيضا لكن بالواسطة فإن قبل هذا فذاك وإلا فالجواب أما ما قيل من أن المراد بالرجال البالغون ولم يكونا رضي الله تعالى عنهما يوم النزول كذلك فإن الحسن رضي الله تعالى عنه ولد السنة الثالثة من الهجرة والحسين رضي الله تعالى عنه ولد السنة الرابعة منها لخمس خلون من شعبان وقد عقلت به أمه عقب ولادة أخيه بخمسين ليلة أو أقل وكان النزول بعد ولادتهما على ما سمعت آنفا وأما ما قيل من أن المراد بالأب في الآية الأب الصلب ومعلوم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن اباهما كذلك فتدبر وقيل : ليس المراد من الآية سوى نفي أبوته صلى الله تعالى عليه وسلم لأحد من الرجال بالتبني لتنتفي أبوته عليه الصلاة و السلام لزيد التي يزعمها المعترض كما يدل عليه سوق الآية الكريمة فكأنه قيل : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم كما زعمتم حيث قلتم إنه أبو زيد لتبنيه إياه وهي ساكتة عن نفي أبوته صلى الله تعالى عليه وسلم لأحد بالولادة أو بالرضاع وعن إثباتها فلا سؤال بمن ولد له صلى الله تعالى عليه وسلم من الذكور ولا بالحسنين رضي الله تعالى عنهم ولا جواب
وإلى إختيار هذا يميل كلام أبي حيان والله تعالى أعلم وأستدل بعض الشافعية بهذه الآية على أنه لا يجوز أن يقال للنبي عليه الصلاة و السلام أبو المؤمنين حكاه صاحب الروضة ثم قال : ونص الشافعي عليه الرحمة على أنه يجوز أن يقال له صلى الله تعالى عليه وسلبم أبو المؤمنين أي في الحرمة ونحوها وقال الراغب بعد أن قال الأب الوالد ما نصه : ويسمى كل من كان سببا في إيجاد شيء أو أصلاحه أو ظهوره أبا ولذلك سمى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أبا المؤمنين قال الله تعالى : الني أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وفي بعض القراءآت وهو أب لهم وروى أنه عليه الصلاة و السلام قال : لعلي كرم الله تعالى وجهه أنا وأنت أبوا هذه الأمة وإلى هذا أشار صلى الله

الصفحة 31