كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

إن له مرضعا في الجنة ولو عاش لكان صديقا نبيا ولو عاش لأعتقت أخواله من القبط وما أسترق قبطي وفي سنده أبو شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي وهو على ما قال القسطلاني ضعيف ومن طريقه أخرجه إبن منده في المعرفة وقال : إنه غريب وكأن النووي لم يقف على هذا الخبر المرفوع أو نحوه أو وقف عليه ولم يصح عنده فقال في تهذيب الأسماء واللغات : وأما ما روى عن بعض المتقدمين لو عاش إبراهيم لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم ومثله إبن عبدالبر فقد قال في التمهيد : لا أدري ما هذا فقد ولد نوح عليه السلام غير نبي ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل أحد نبيا لأنهم من نوح عليه السلام وأنا أقول : لا يظن بالصحابي الهجوم على الاخبار عن مثل هذا الأمر بالظن فالظاهر أنه لم يخبر إلا عن توقيف من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإذا صح حديث إبن عباس رضي الله تعالى عنهما المرفوع أرتفع الخصام لكن الظاهر أن هذا الأمر في إبراهيم خاصة بأن يكون قد سبق في علم الله تعالى أنه لو عاش لجعله جل وعلا نبيا لا لكونه إبن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بل لأمر هو جل شأنه به اعلم والله أعلم حيث يجعل رسالته وحينئذ يرد على الشرطية السابقة أعني قوله لأنه : لو بلغ لكان منصبه أن يكون نبيا منع ظاهر والدليل الذي سيق فيما سبق لا يثبتها لما أن ظاهره الخصوص فيجوز أن يبلغ ولد ذكر له عليه الصلاة و السلام غير إبراهيم ولا يكون نبيا لعدم أهليته للنبوة في علم الله تعالى لو عاش
وقول بعض الأفاضل : ليس مبني تلك الشرطية على اللزوم العقلي والقياس المنطقي بل على مقتضى الحكمة الألهية وهي أن الله سبحانه أكرم بعض الرسل عليهم السلام بجعل أولادهم أنبياء كالخليل عليه السلام ونبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أكرمهم عليه وأفضلهم عنده فلو عاش أولاده أقتضى تشريف الله تعالى له وأفضليته عنده ذلك ليس بشيء لأنا نقول : لا يلزم من إكرام الله تعالى بعض رسله عليهم السلام بنبوة الأولاد وكون نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أكرمهم وأفضلهم إقتضاء التشريف والأفضلية نبوة أولاده لو عاشوا وبلغوا ليقال إن حكمة كونه عليه الصلاة و السلام خاتم النبيين لكونها أجل وأعظم منعت من أن يعيشوا فينبؤا ألا ترى أن الله تعالى أكرم بعض الرسل بجعل بعض أقاربهم في حياتهم وبعد مماتهم أنبياء معينين لهم ومؤيدين لشريعتهم غير مخالفين لها في أصل أو فرع كموسى عليه السلام ونبينا عليه الصلاة و السلام أكرمهم وأفضلهم ولم يجعل له ذلك
فإن قيل : إنه عوض صلى الله تعالى عليه وسلم عنه بأن جعل جل شأنه له من أقاربه وأهل بيته علماء أجلاء كأنبياء بني إسرائيل كعلي كرم الله تعالى وجهه كما يرشد إليه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم له رضى الله تعالى عنه أنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي قلنا فلم لا يجوز أن يبقى سبحانه له عليه الصلاة و السلام أولادا ذكورا بالغين ويعوضه عن نبوتهم التي منعت عنها حكمة الخاتمية نحو ما عوضه عن نبوة بعض أقاربه التي منعت عنها تلك الحكمة وذلك أقرب لمقتضى التشريف كما لا يخفى وقيل : الملازمة مستفادة من الآية لأنه لولاها لم يكن للإستدراك معنى إذ لكن تتوسط بين متقابلين فلا بد من منافاة بنوتهم له عليه الصلاة و السلام لكونه خاتم النبيين وهو إنما يكون بإستلزام بنوتهم نبوتهم ولا يقدح فيه قوله تعالى : رسول الله كما يتوهم لأنه لو سلم رسالتهم لكانت إما في عصره صلى الله تعالى عليه وسلم وهي تنافي رسالته أو بعده وهي تنافي

الصفحة 33