كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

خاتميته وفيه أن الملازمة في قوله : ولولا ذلك لم يكن للإستدراك معنى ممنوعة والدليل المذكور لم يثبتها لجواز أن يكون معنى الإستدراك ما ذكرناه أولا على أن فيما ذكره بعد ما لا يخفى وقيل في توجيه الإستدراك إنه لما كان عدم النسل من الذكور يفهم منه أنه لا ينبغي حكمه صلى الله تعالى عليه وسلم ولا يدوم ذكره أستدرك بما ذكر وهو كما ترى
وقال بعض المتأخرين : يجوز أن لا يكون الإستدراك بلكن هنا بمعنى رفع التوهم الناشيء من أول الكلام كما في قولك : ما زيد كريم لكنه شجاع بل بمعنى أن يثبت لما بعدها حكم مخالف لما قبلها نحو ما هذا ساكن لكنه متحرك وما هذا أبيض لكنه أسود وقد جاء كذلك في بعض آي الكتاب الكريم كما في قوله تعالى : ياقوم ليس بي سفاهة ولكني رسول ربي العالمين فإن نفي السفاهة لا يوهم إنتفاء الرسالة ولا إنتفاء ما يلزمها من الهدى والتقوى حتى يجعل إستدراكا بالمعنى الأول فليتأمل
ومن العجيب أن إبن حجر الهيتمي قال في فتاواه الحديثية : إنه لا بعد في إثبات النبوة لإبراهيم إبن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في صغره وقد ثبت في الصغر لعيسى ويحيى عليهما السلام ثم نقل عن السبكي كلاما في حديث كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد حاصله أن حقيقته عليه الصلاة و السلام قد تكون من قبل آدم آتاها الله تعالى النبوة بأن خلقها مهيأة لها وأفاضها عليها من ذلك الوقت وصار نبيا ثم قال : وبه يعلم تحقيق نبوة سيدنا إبراهيم في حال صغره وفيه بحث وخبر أنه عليه الصلاة و السلام أدخل يده في قبره بعد دفنه وقال أما والله إنه لنبي إبن نبي في سنده من ليس بالقوي فلا يعول عليه ليتكلف لتأويله والخاتم أسم آلة لما يختم به كالطابع لما يطبع به فمعنى خاتم النبيين الذي ختم النبيون به ومآله آخر النبيين وقال المبرد : خاتم فعل ماض على فاعل وهو في معنى ختم النبيين فالنبيين منصوب على أنه مفعول به وليس بذاك وقرأ الجمهور وخاتم بكسر التاء على أنه أسم فاعل أي الذي ختم النبيين والمراد به آخرهم أيضا وفي حرف إبن مسعود ولكن نبيا ختم النبيين والمراد بالنبي ما هو أعم من الرسول فيلزم من كونه صلى الله تعالى عليه وسلم خاتم النبيين كونه خاتم المرسلين والمراد بكونه عليه الصلاة و السلام خاتمهم إنقطاع حدوث وصف النبوة في أحد من الثقلين بعد تحليله عليه الصلاة و السلام بها في هذه النشأة
ولا يقدح في ذلك ما أجمعت الأمة عليه وأشتهرت فيه الأخبار ولعلها بلغت مبلغ التواتر المعنوي ونطق به الكتاب على قول ووجب الإيمان به وأكفر منكره كالفلاسفة من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان لأنه كان نبيا قبل تحلي نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم بالنبوة في هذه النشأة ومثل هذا يقال في بقاء الخضر عليه السلام على القول بنبوته وبقائه ثم أنه عليه السلام حين نزول باق على نبوته السابقة لم يعزل عنها قال لكنه لا يتعبد بها لنسخها في حقه وحق غيره وتكليفه بأحكام هذه الشريعة أصلا وفرعا فلا يكون إليه عليه السلام وحي ولا نصب أحكام بل يكون خليفة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وحاكما من حكام ملته بين أمته بما علمه في السماء قبل نزوله من شريعته عليه الصلاة و السلام كما في بعض الآثار أو ينظر في الكتاب والسنة وهو عليه السلام لا يقصر عن رتبة الإجتهاد المؤدي إلى إستنباط ما يحتاج إليه أيام مكثه في الأرض من الأحكام وكسره الصليب وقتله الخنزير ووضعه الجزية وعدم قبولها مما علم من شريعتنا صوابيته في قوله

الصفحة 34