كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

صلى الله تعالى عليه وسلم إن عيسى ينزل حكما عدلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فنزوله عليه السلام غاية لإقرار الكفار ببذل الجزية على تلك الأحوال ثم لا ي قبل إلا الإسلام لا نسخ لها قاله شيخ الإسلام إبراهيم اللقاني في هداية المريد لجوهرة التوحيد وقوله : أنه عليه السلام حين ينزل باق على نبوته السابقة لم يعزل عنها بحال لكنه لا يتعبد بها إلخ أحسن من قول الخفاجي الظاهر أن المراد من كونه على دين نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم إنسلاخه عن وصف النبوة والرسالة بأن يبلغ ما يبلغه عن الوحي وإنما يحكم بما يتلقى عن نبينا عليه الصلاة و السلام ولذا لم يتقدم لأمامة الصلاة مع المهدي ولا أظنه عني بالإنسلاخ عن وصف النبوة والرسالة عزله عن ذلك بحيث لا يصح إطلاق الرسول والنبي عليه عليه السلام فمعاذ الله أن يعزل رسول الله أو نبي عن الرسالة أو النبوة بل أكاد لا أتعقل ذلك ولعله أراد أنه لا يبقى له وصف تبليغ الأحكام عن وحي كما كان له قبل الرفع فهو عليه السلام نبي رسول قبل الرفع وفي السماء وبعد النزول وبعد الموت أيضا وبقاء النبوة والرسالة بعد الموت في حقه وحق غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام حقيقة مما ذهب إليه غير واحد فإن المتصف بهما وكذا بالإيمان هو الروح وهي باقية لا تتغير بموت البدن نعم ذهب الأشعري كما قال النسفي إلى أنهما بعد الموت باقيان حكما وما أفاده كلام اللقاني من أنه عليه السلام يحكم بما علم في السماء قبل نزوله من الشريعة قد أفاده السفاريني في البحور الزاخرة وهو الذي أميل له وأما أنه يجتهد ناظرا في الكتاب والسنة فبعيد وإن كان عليه السلام قد أوتي فوق ما أوتي مجتهدو الأمم مما يتوقف عليه الإجتهاد بكثير إذ قد ذهب معظم أهل العلم إلى أنه حين ينزل يصلي وراء المهدي رضي الله تعالى عنه صلاة الفجر وذلك الوقت يضيق عن أستنباط ما تضمنته تلك الصلاة من الأقوال والأفعال من الكتاب والسنة على الوجه المعروف
نعم لا يبعد أن يكون عليه السلام قد علم في السماء بعضا ووكل إلى الإجتهاد والأخذ من الكتاب والسنة في بعض آخر وقيل : إنه عليه السلام يأخذ الأحكام من نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم شفاها بعد نزوله وهو في قبره الشريف عليه الصلاة و السلام وأيد بحديث أبي يعلى والذي نفسي بيده لينزلن عيسى إبن مريم ثم لئن قام على قبري وقال يامحمد لأجيبنه
وجوز أن يكون ذلك بالإجتماع معه عليه الصلاة و السلام روحانية ولا بدع في ذلك فقد وقعت رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم بعد وفاته لغير واحد من الكاملين من هذه الأمة والأخذ منه يقظة قال الشيخ سراج الدين بن الملقن في طبقات الأولياء : قال الشيخ عبدالقادر الكيلاني قدس سره : رأيت رسول الله قبل الظهر فقال لي : يابني لم لا تتكلم قلت : ياأبتاه أنا رجل أعجم كيف أتكلم على فصحاء بغداد فقال : أفتح فاك ففتحته فتفل فيه سبعا وقال : تكلم على الناس وأدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة فصليت الظهر وجلست وحضرني خلق كثير فأرتج علي فرأيت عليا كرم الله تعالى وجهه قائما بإزائي في المجلس فقال لي : يا بني لم لا تتكلم قلت : ياأبتاه قد أرتج علي فقال : أفتح فاك ففتحته فتفل فيه ستا فقلت : لم لا تكملها سبعا قال : أدبا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم توارى عني فقلت : غواص الفكر يغوص في بحر القلب على درر المعارف فيستخرجها إلى ساحل الصدر فينادي عليها سمسار ترجمان اللسان فتشتري بنفائس أثمان حسن الطاعة في بيوت أذن الله أن ترفع وقال أيضا في ترجمة الشيخ خليفة بن موسى النهر ملكي : كان كثير الرؤية لرسول الله عليه

الصفحة 35