كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

الصلاة والسلام يقظة ومناما فكان يقال : إن أكثر أفعاله يتلقاه منه يقظة ومناما ورآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة قال له في إحداهن : يا خليفة لا تضجر مني فكثير من الأولياء مات بحسرة رؤيتي وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في لطائف المتن : قال رجل للشيخ أبي العباس المرسي ياسيدي صافحني بكفك هذه فإنك لقيت رجالا وبلادا فقال : والله ما صافحت بكفي هذه إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : وقال الشيخ لو حجب عني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين ومثل هذه النقول كثير من كتب القوم جدا
وفي تنوير الحلك لجلال الدين السيوطي الذي رد به على منكري رؤيته بعد وفاته في اليقظة طرف معتد به من ذلك وبدأ في الإستدلال على ذلك بما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داؤد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي ؤأخرج الطبراني مثله من حديث مالك بن عبدالله الخثعمي ومن حديث أبي بكرة وأخرج الدارمي مثله من حديث أبي قتادة
وللمنكرين إختلاف في تأويله فقيل : المراد فسيراني في القيامة فهناك اليقظة الكاملة كما يشير إليه الناس نيام فإذا ماتوا إنتبهوا وتعقب بأنه لا فائدة في هذا التخصيص لأن كل أمته يرونه يوم القيامة من رآه منهم في المنام ومن لم يره وقيل : المراد الرؤية على وجه خاص من القرب والحظوة منه صلى الله تعالى عليه وسلم يوم القيامة أو حصول الشفاعة له أو نحو ذلك ولا يرد عليه ما ذكر وقيل : المراد بمن من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون الخبر مبشرا له بأنه لا بد أن يراه في اليقظة يعني بعيني رأسه وقيل : بعين قلبه حكاهماالقاضي أبو بكر بن العربي وقال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في تعليقه على الأحاديث التي إنتقاها من صحيح البخاري : هذا الحديث يدل على أن من يراه صلى الله تعالى عليه وسلم في النوم فسيراه في اليقظة وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته عليه الصلاة و السلام أو هذا كان في حياته وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيه الأهلية والإتباع لسنته عليه الصلاة و السلام اللفظ يعطي العموم ومن يدعى الخصوص فيه بغير مخصص منه صلى الله تعالى عليه وسلم فمتعسف وأطال الكلام في ذلك ثم قال : وقد ذكر عن السلف والخلف وهلم جرا ممن كانوا رأوه صلى الله تعالى عليه وسلم في النوم وكانوا ممن يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي منها يكون فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص إنتهى المراد منه ثم إن رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم يقظة عند القائلين بها أكثر ما تقع بالقلب ثم يترقى الحال إلى أن يرى بالبصر وأختلفوا في حقيقة المرئي فقال بعضهم المرئي ذات المصطفى بجسمه وروحه وأكثر أرباب الأحوال على أنه مثاله وبه صرح الغزالي فقال : ليس المراد أنه يرى جسمه وبدنه بل مثالا له صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسه قال : والآلة تارة تكون حقيقة وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق
وفصل القاضي أبو بكر بن العربي فقال : رؤية النبي بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال وأستحسنه الجلال السيوطي وقال : بعد نقل أحاديث وآثار ما نصه فحصل من مجموع هذا الكلام النقول والأحاديث أن النبي حي بجسده وروحه وأنه يتصرف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض وفي الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع

الصفحة 36