كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

المذكور فيما مر مذكور في صحيح مسلم بالسند إلى أبي هريرة أنه قال : سمعت رسول الله يقول : من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي فلا قطع على هذه الرواية بأنه عليه الصلاة و السلام قال : فسيراني فإن كان الواقع في نفس الأمر ذلك فالكلام فيه ما سمعت وإن كان الواقع لكأنما رآني فهو كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في خبر آخر : فقد رآني وفي آخر أيضا فقد رأى الحق والمعنى أن رؤياه صحيحة وما تقدم من أن الأنبياء عليهم السلام يخرجون من قبورهم أي بأجسامهم وأرواحهم كما هو الظاهر ويتصرفون في الملكوت العلوي والسفلي فمما لا أقول به والخبر السابق الذي أخرجه إبن حبان والطبراني وأبو نعيم عن أنس وهو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا قد أخرجوه عن الحسن بن سفيان عن هشام بن خالد الأزرق عن الحسن بن يحيى الخشني عن سعيد بن عبدالعزيز عن يزيد بن أبي مالك عن أنس رضي الله تعالى عنه وقال فيه إبن حبان : هو باطل والخشني منكر الحديث جدا يروى عن الثقات مالا أصل له
وفي الميزان عن الدارقطني الخشني متروك ومن ثم حكم إبن الجوزي بوضع الحديث وهو مع ذلك بعض حديث والحديث بتمامه عند الطبراني ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه ومررت ليلة أسري بي بموسى وهو قائم يصلي في قبره وهو على هذا لا يدل على أنه بعد الأربعين لا يقيم في قبره بل يخرج منه وإنما يدل على أنه لا يبقى في القبر ميتا كسائر الأموات أكثر من أربعين صباحا بل ترد إليه روحه ويكون حيا وأين هذا من دعوى الخروج من القبر بعد الأربعين والحياة في القبر لا تستلزم الخروج وأنا أقول بها في حق الأنبياء عليهم السلام وقد ألف البيهقي جزا في حياتهم في قبورهم وأورد فيه عدة أخبار
ولا يضرني بعد ظهور أن الحديث السابق لا يدل على الخروج المنازعة في وصفه وبلوغه بماله من الشواهد درجة الحسن والأخبار المذكورة بعد فيما سبق المراد منها كلها إثبات الحياة في القبر بضرب من التأويل والمراد بتلك الحياة نوع من الحياة غير معقول لنا وهي فوق حياة الشهداء بكثير وحياة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أكمل وأتم من حياة سائرهم عليهم السلام وخبر ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله تعالى علي روحي حتى أرد عليه السلام محمول على إثبات إقبال خاص وإلتفات روحاني يحصل من الحضرة الشريفة النبوية إلى عالم الدنيا وتنزل إلى عالم البشرية حتى يحصل عند ذلك رد السلام وفيه توجيهات أخر مذكورة في محلها ثم إن تلك الحياة في القبر وإن كانت يترتب عليها بعض ما يترتب على الحياة في الدنيا المعروفة لنا من الصلاة والأذان والإقامة ورد السلام المسموع ونحو ذلك إلا أنها لا يترتب عليها كل ما يمكن أن يترتب على تلك الحياة المعروفة ولا يحس بها ولا يدركها كل أحد فلو فرض إنكشاف قبر نبي من الأنبياء عليهم السلام لا يرى الناس النبي فيه إلا كما يرون سائر الأموات الذين لم تأكل الأرض أجسادهم وربما يكشف الله تعالى على بعض عباده فيرى ما لا يرى الناس ولولا هذا لأشكل الجمع بين الأخبار الناطقة بحياتهم في قبورهم وخبر أبي يعلى وغيره بسند صحيح كما قال الهيثمي مرفوعا أن موسى نقل يوسف من قبره بمصر ثم إني أقول بعد هذا كله إن ما نسب إلى بعض الكاملين من أرباب الأحوال من رؤية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد وفاته وسؤاله والأخذ عنه لم نعلم وقوع مثله في الصدر الأول وقد وقع إختلاف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم من حين توفي عليه الصلاة و السلام إلى ما شاء الله تعالى في مسائل دينية وأمور دنيوية وفيهم أبو بكر وعلي رضي الله تعالى عنهما

الصفحة 38