كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

بهذين الوقتين إلى صلاة الغداة وصلاة العصر وهو أظهر مما روى عن الحبر وتعقب ما روى عنهما بأن فيه تجوزا من غير ضرورة وقد يقال : إن التسبيح على حقيقته لكن التسبيح بكرة بالصلاة فيها والتسبيح أصيلا بالصلاة فيه فتأمل
وجوز أن يكون المراد بالذكر المأمور به تكثير الطاعات والإقبال عليها فإن كل طاعة من جملة الذكر ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلا أي الصلاة في جميع أوقاتها أو صلاة الفجر والعصر أو الفجر والعشاء لفضل الصلاة على غيرها من الطاعات البدنية ولا يخفى بعده هو الذي يصلي عليكم إلخ إستئناف جار مجرى التعليل لما قبله من الأمرين وملائكته عطف على الضمير في يصلي لمكان الفصل المغنى عن التأكيد بالمنفصل لا على هو والصلاة في المشسهوروروى ذلك عن إبن عباسمن الله تعالى رحمة ومن الملائكة إستغفار ومن مؤمني الأنس والجن دعاء ويجوز على رأي من يجوز إستعمال اللفظ في معنيين أن يراد بالصلاة هنا المعنيان الأولان فيراد بها أولا الرحمة وثانيا الإستغفار ومن لا يجوز كأصحابنا يقول بعموم المجاز بأن يراد بالصلاة معنى مجازي عام يكون كلا المعنيين فردا حقيقيا له وهو إما الإعتناء بما فيه خير المخاطبين وصلاح أمرهم فإن كلا من الرحمة والإستغفار فرد حقيقي له وهذا المجاز من الصلاة بمعنى الدعاء وهو إما إستعارة لأن الإعتناء يشبه الدعاء لمقارنة كل منهما لإرادة الخير والأمر المحبوب أو مجاز مرسل لأن الدعاء مسبب عن الإعتناء وأما الترحم والإنعطاف المعنوي المأخوذ من الصلاة المعروفة المشتملة على الإنعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود ولا ريب في أن إستغفار الملائكة عليهم السلام ودعاءهم للمؤمنين ترحم عليهم وأما أن ذلك سبب للرحمة لكونهم مجابي الدعوة كما قيل ففيه بحث ورجح جعل المعنى العام ما ذكر بأنه أقرب لما بعد فإنه نص عليه فيه بقوله تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما فدل على أن المراد بالصلاة الرحمة وأعترض بأن رحم متعد وصلى قاصر فلا يحسن تفسيره به وبأنه يستلزم جواز رحم عليه وبأنه تعالى غاير بينهما بقوله سبحانه : أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة للعطف الظاهر في المغايرة وأجيب بأنه ليس المراد بتفسير صلى برحم إلا بيان أن المعنى الموضوع له صلى هو الموضوع له رحم مع قطع النظر عن معنى التعدي واللزوم فإن الرديفين قد يختلفان في ذلك وهو غير ضار فزعم أن ذلك لا يحسن وأنه يلزم جواز رحم عليه ليس في محله على أنه يحسن تعدية صلى بعلى دون رحم لما في الأول من ظهور معنى التحنن والتعطف والعطف لأن الصلاة رحمة خاصة ويكفي هذا القدر من المغايرة وقيل : إن تعدد الفاعل صير الفعل كالمتعدد فكأن الرحمة مرادة من لفظ والإستغفار مراد من آخر فلا حاجة إلى القول بعموم المجاز وليس هناك إستعمال لفظ واحد حقيقة وحكما في معنيين وهو كما ترى ومثله كون ملائكته مبتدأ خبره محذوف لدلالة ما قبل عليه كأنه قيل هو الذي يصلي عليكم وملائكته يصلون عليكم فهناك لفظان حقيقة كل منهما بمعنى وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يزيدك علما بأمر الصلاة وسبب نزول الآية ما أخرجه عبد بن حميد وإبن المنذر قال : لما نزلت إن الله وملائكته يصلون على النبي قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : ما أنزل الله تعالى عليك خيرا إلا أشركنا فيه فنزلت هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور أي من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة وقال الطبرسي : من الجهل بالله تعالى إلى معرفته عزوجل فإن الجهل أشبه بالظلمة والمعرفة

الصفحة 43