كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أشبه شيء بالنور وقال إبن زيد : أي من الضلالة إلى الهدى وقال مقاتل : من الكفر إلى الإيمان وقيل : من النار إلى الجنة حكاه الماوردي وقيل : من القبور إلى البعث حكاه أبو حيان وليس بشيء واللام متعلقة بيصلي أي يعتني بكم هو سبحانه وملائكته ليخرجكم أو يترحم هو عزوجل وملائكته ليخرجكم بذلك من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما 34 إعتراض مقرر لمضمون ما قبله أي كان سبحانه بكافة المؤمنين الذين أنتم من زمرتهم كامل الرحمة ولذا يفعل بكم ما يفعل بالذات وبالواسطة أو كان بكم رحيما على أن المؤمنين مظهر وضع موضع المضمر مدحا لهم وإشعارا بعلة الرحمة وقوله تعالى : تحيتهم يوم يلقونه سلام بيان للأحكام الآجلة لرحمته تعالى بهم بعد بيان آثارها العاجلة من الإخراج المذكور والتحية أن يقال : حياك الله أي جعل لك حياة وذلك إخبار ثم يجعل دعاء ويقال حيا فلان فلانا تحية إذا قال له ذلك وأصل هذا اللفظ من الحياة ثم جعل كل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة أو سبب حياة إما لدنيا أو لآخرة
وهو هنا مصدر مضاف إلى المفعول وقع مبتدأ و سلام مراد به لفظه خبره والمراد ما يحييهم الله تعالى به ويقوله لهم يوم يلقونه سبحانه ويدخلون دار كرامته سلام أي هذا اللفظ روى أن الله تعالى يقول : سلام عليكم عبادي أنا عنكم راض فهل أنتم عني راضون فيقولون : بأجمعهم ياربنا إنا راضون كل الرضا وورد أن الله تعالى يقول : السلام عليكم مرحبا بعبادي المؤمنين الذين أرضوني في دار الدنيا بإتباع أمري وقيل : تحييهم الملائكة عليهم السلام بذلك إذا دخلوا الجنة كما قال تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم
وقيل : تحييهم عند الخروج من القبور فيسلمون عليهم ويبشرونهم بالجنة وقيل عند الموت
وروى عن إبن مسعود أنه قال : إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام قيل : فعلى هذا الهاء في يلقونه كناية عن غير مذكور وهو ملك الموت ولا ضرورة تدعو لذلك إذ لا مانع من أن يكون الضمير لله تعالى عليه كما هو كذلك على الأقوال الأخر جميعها ولقاء الله تعالى على ما أشار إليه الإمام عبارة عن الإقبال عليه تعالى بالكلية بحيث لا يعرض للشخص ما يشغله ويلهيه أو يوجب غفلته عنه عزوجل ويكون ذلك عند دخول الجنة وفيها وعند البعث وعند الموت
وقال الراغب : ملاقاة الله تعالى عبارة عن القيامة وعن المصير إليه عزوجل وقال الطبرسي : هي ملاقاة ثوابه تعالى وهو غير ظاهر على جميع الأقوال السابقة بل ظاهر على بعضها كما لا يخفى وعن قتادة في الآية أنهم يوم دخولهم الجنة يحيى بعضهم بعضا بالسلام أي سلمنا وسلمت من كل مخوف والتحية عليه على ما قال الخفاجي مصدر مضاف للفاعل وفي البحر هي عليه مصدر مضاف للمحيي والمحيي لا على جهة العمل لأن الضمير الواحد لا يكون فاعلا مفعولا ولكنه كقوله تعالى : وكنا لكحمهم شاهدين أي للحكم الذي جرى بينهم
وكذا يقال هنا التحية الجارية بينهم هي سلام وقول المحيي في ذلك اليوم سلام إخبار لا دعاء لأنه أبلغ على ما قيل فتدبر وأحرى الأقوال بالقبول عندي أن الله تعالى يسلم عليهم يوم يلقونه إكراما لهم وتعظيما
وأعد لهم أجرا كريما 44 أي وهيأ عزوجل لهم ثوابا حسنا والظاهر أن التهيئة واقعة قبل دخول الجنة والتحية ولذا لم تخرج الجملة مخرج ما قبلها بأن يقال وأجرهم أجر كريم أي ولهم أجر كريم وقيل : هي بعد الدخول والتحية فالكلام بيان لآثار رحمته تعالى الفائضة عليهم بعد دخول الجنة عقيب بيان آثار رحمته

الصفحة 44