كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

الله عزوجل ولم يحمل على حقيقته وإن صح هنا أن يأذن الله تعالى شأنه له عليه الصلاة و السلام حقيقة في الدعوة لأنه قد فهم من قوله سبحانه : إنا أرسلناك داعيا أنه مأذون له في الدعوة ومما ذكر يعلم أن بإذنه من متعلقات داعيا وقيدت الدعوة بذلك إيذانا بأنها أمر صعب المنال وخطب في غاية الإعضال لا يتأتى إلا بإسداد من جناب قدسه كيف لا وهو صرف للوجوه عن القبل المعبودة وإدخال للأعناق في قلادة غير معهودة وجوز رجوع القيد للجميع والأول أظهر وسراجا منيرا 64 يستضيء به الضالون في ظلمات الجهل والغواية ويقتبس من نوره أنوار المهتدين إلى مناهج الرشد والهداية وهو تشبيه إما مركب عقلي أو تمثيبل منتزع من عدة أمور أو مفرق وبولغ في الوصف بالإنارة لآن من السرج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته
وقال الزجاج : هو معطوف على شاهدا بتقدير مضاف أي ذا سراج منير وقال الفراء : إن شئت كان نصبا على معنى وتاليا سراجا منيرا وعليهما السراج المنير القرآن وإذا فسر بذلك إحتمل على ما قيل أن يعطف على كاف أرسلناك على معنى أرسلناك والقرآن إما على سبيل التبعية وإما من باب متقلدا سيفا ورمحا وقيل : إنه على تقدير تاليا سراجا يجوز هذا العطف أي إنا أرسلناك وتاليا سراجا كقوله تعالى : يتلو صحفا مطهرة على أنه الجامع بين الآمرين على نحو ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء أي ارسلنا بإرسالك تاليا
وجوز أن يراد وجعلناك تاليا وقيل : يجوز أن يراد بذا سراج القرآن وحينئذ يكون التقدير إنا أسرلناك وأنزلنا عليك ذا سراج وتعقب بأن جعل القرآن ذا سراج تعسف والحق أن كل ما قيل كذلك
وبشر المؤمنين عطف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل : فراقب أحوال الناس وبشر المؤمنين وجوز عطفه على الخبر السابق عطف القصة على القصة وقيل : هو معطوف عليه ويجعل في معنى الأمر لأنه في معنى أدعهم شاهدا ومبشرا ونذيرا إلخ وبشر المؤمنين منهم بأن لهم من الله فضلا كبيرا 74 أي عطاء جزيلا وهو كما روى عن الحسن وقتادة الجنة وما أوتوا فيها ويؤيده قوله تعالى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير وقيل : المعنى فضلا على سائر الأمم في الرتبة والشرف أو زيادة على أجور أعمالهم بطريق التفضل والإحسان
أخرج إبن جرير وإبن عكرمة عن الحسن قال : لما نزل ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قالوا : يارسول الله قد علمنا ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فأنزل الله تعالى وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين والمنافقين نهى عن مداراتهم في أمر الدعوة ولين الجانب في التبليغ والمسامحة في الإنذار كنى عن ذلك بالنهي عن طاعتهم مبالغة في النهي والتنفير عن المنهي عنه بنظمها في سلكها وتصويره بصورتها وحمل غير واحد النهي على التهييج والإلهاب من حيث أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يطعهم حتى ينهى وجعله بعضهم من باب إياك أعني وأسمعي ياجاره فلا تغفل
ودع أذاهم أي لا تبال بإيذائهم إياك بسبب إنذارك إياهم وأصبر على ما ينالك منهم قاله قتادة أذاهم مصدر مضاف للفاعل وقال أبو حيان : الظاهر أنه مصدر مضاف للمفعول لما نهى صلى الله تعالى عليه وسلم عن طاعتهم أمر تبرك إيذائهم وعقوبتهم ونسخ منه ما يخص الكافرين بآية السيف وروى نحوه عن مجاهد والكلبي والأول أولى وتوكل على الله في كل ما تأتي وتذر من الشئون التي من جملتها هذا الشأن فإنه

الصفحة 46