كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

عزوجل يكفيهم وكفى بالله وكيلا 84 موكولا إليه الأمور في كل الأحوال وإظهار الأسم الجليل في موقع الإضمار لتعليل الحكم وتأكيد إستقلال الإعتراض التذييلي ولما وصف صلى الله تعالى عليه وسلم بنعوت خمسة قوبل كل واحد منها بخطاب بناسبه خلا أنه لم يذكر ما قابل الشاهد صريحا وهو الأمر بالمراقبة ثقة بظهور دلالة المبشر عليه وهو الأمر بالتبشير حسبما ذكر آنفا وقابل النذير بالنهي عن مداراة الكافرين والمنافقين والمسامحة في إنذارهم وقوبل الداعي بإذنه بالأمر بالتوكل عليه من حيث أنه عبارة عن الإستعداد منه تعالى والإستعانة به عزوجل وقوبل السراج المنير بالإكتفاء به تعالى فإن من أيده الله تعالى بالقوة القدسية ورشحه للنبوة وجعله برهانا نيرا يهدي الخلق من ظلمات الغي إلى نور الرشاد حقيق بأن يكتفي به تعالى عمن سواه وجعل الزمخشري مقابل الشاهد وبشر المؤمنين ومقابل الإعراض عن الكافرين والمنافقين المبشر أعني المؤمنين وتكلف في ذلك
وقال الطيبي طيب الله تعالى ثرا : نظير هذه الآية ما روى البخاري : والإمام أحمد عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة قال : والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يأايها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للمؤمنين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وروى الدارمي نحوه عن عبدالله بن سلام فقوله : حرزا للمؤمنين مقابل لقوله تعالى وداعيا إلى الله بإذنه فإن دعوته إنما حصلت فائدتها فيمن وفقه الله تعالى : بتيسيره وتسهيله فلذلك أمنوا من مكاره الدنيا وشدائد الآخرة فكان صلوات الله تعالى وسلامه عليه بهذا الإعتبار حرزا لهم وقوله سميتك المتوكل إلخ مقابل لقوله وسراجا منيرا فعلم أن قوله تعالى وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا مناسب لقوله تعالى وسراجا منيرا فإن السراج مضيء في نفسه ومنور لغيره فبكونه متوكلا على الله تعالى يكون كاملا في نفسه فهو مناسب لقوله : أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل إلى قوله : يعفو ويصفح وكونه منيرا يفيض الله تعالى عليه يكون مكملا لغيره وهو مناسب لقوله : حتى يقيم به الملة العوجاء إلخ ثم قال ويمكن أن ينزل المراتب على لسان أهل الفرقان فقوله تعالى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا هو مقام الشريعة ودعوة الناس إلى الإيمان وترك الكفر ونتيجة الإعراض عما سوى الله تعالى والأخذ في السير والسلوك والإلتجاء إلى حريم لطفه تعالى والتوكل عليه عزوجل وقوله سبحانه : وسراجا منيرا هو مقام الحقيقة ونتيجته فناء السالك وقيامه بقيوميته تعالى ولا يخفى تكلف ما قرره في الحديث والله تعالى أعلم بمزاده
ياأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها عود إلى ذكر النساء والنكاح هنا العقد بالإتفاق وأختلفوا في مفهومه لغة فقيل هو مشترك بين الوطء والعقد إشتراكا لفظيا وقيل : حقيقة في العقد مجاز في الوطء وقيل : بقلبه وقيل هو مشترك بينهما إشتراكا معنويا وهو من افراد المشكك وحقيقته الضم والجمع كما في قوله : ضممت إلى صدري معطر صدرها كما نكحت أم الغلام صبيها ونقل المبرد ذلك عن البصريين وغلام ثعلب الشيخ عمرو الزاهد عن الكوفيين ثم المتبادر من لفظ الضم

الصفحة 47