كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

تعلقه بالأجسام لا الأقوال لأنها إعراض يتلاشى الأول منها قبل وجود الثاني فلا يصادف الثاني ما ينضم إليه وهذا يقتضي كونه مجازا في العقد وإن أعتبر الضم أعم من ضم الجسم إلى الجسم والقول إلى القول جاز أن يكون النكاح حقيقة في كل من الوطء والعقد وجاز أن يكون مجازا على التفصيل المعروف في إستعمال العام في كل فرد من أفراده وأختار الراغب القول الثاني من الأقوال السابقة وبالغ في عدم قبول الثالث : فقال هو حقيقة في العقد ثم أستعير للجماع ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم أستعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات لإستقباحهم ذكره كإستقباح تعاطيه ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا أسم ما يستفظعونه لما يستحسنه
وأختار الزمخشري الثالث فقال : النكاح الوطء وتسمية العقد نكاحا لملابسته له من حيث أنه طريق له ونظيره تسمية الخمر إثما لأنها سبب في إقتراف الإثم ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد لأنه في حق الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان وأراد على ما قيل إنه في العقد حقيقة شرعية منسي فيه المعنى اللغوي وبحث في قوله لم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد بأنه في قوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره بمعنى الوطء وهذا ما عليه الجمهور وخالف في ذلك إبن المسيب وتمام الكلام في موضعه والمس في الأصل معروف وكنى به هنا عن الجماع والعدة هي الشيء المعدود وعدة المرأة المراد بها الأيام التي بإنقضائها يحل لها التزوج أي ياأيها الذين آمنوا إذا عقدتم على المؤمنات وتزوجتموهن ثم طلقتموهن من قبل أن تجامعوهن فما لكم عليهن من عدة بأيام يتربصن فيها بأنفسهن تستوفون عددها على أن تعتدون مطاوع عد يقال عد الدراهم فأعتدها أي أستوفى عددها نحو قولك كلته فأكتلته ووزنته فأتزنته أو تعدونها على أن أفتعل بمعنى فعل وإسناد الفعل إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما أشعر به قوله تعالى فما لكم وأعترض بأن المذكور في كتب الفروع كالهداية وغيرها أنها حق الشرع ولذا لا تسقط لو أسقطها الزوج ولا يحل لها الخروج ولو أذن لها وتتداخل العدتان ولا تداخل في حق العبد وحق الولد أيضا ولذا قال لا يحل لأمريء مؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره وفرعوا على ذلك أنهما لا يصدقان في إبطالها بإتفاقهما على عدم الوطء
وأجيب بأنه ليس المراد أنها صرف حقهم بل أن نفعها وفائدتها عائدة عليهم لأنها لصيانة مياههم والأنساب الراجعة إليهم فلا ينافي أن يكون للشرع والولد حق فيها يمنع إسقاطها ولو فرض أنها صرف حقهم يجوز أن يقال : إن عدم سقوطها بإسقاطهم لا ينافي ذلك إلا إذا ثبت أن كل حق للعبد إذا أسقطه العبد سقط وليس كذلك فإن بعض حقوق العبد لا تسقط بإسقاطه كالإرث وحق الرجوع الهبة وخيار الرؤية ثم أن في الإستدلال بالحديث على أنها حق الولد تأملا كما لا يخفى وتخصيص المؤمنات مع عموم الحكم للكتابيات للتنبيه على أن المؤمن شأنه أن يتخير لنطفته ولا ينكح إلا مؤمنة وحاصله أنه لبيان الأحرى والأليق بعد ما فصل في البقرة نكاح الكتابيات وفائدة المجيء بثم مع أن الحكم ثابت لمن تزوج أمرأة وطلقها على الفور كثبوته لمن تزوجها وطلقها بعد مدة مديدة إزاحة ما عسى يتوهم أن تراخى الطلاق له دخل في إيجاب العدة لإحتمال الملاقاة والجماع سرا كما أن له دخلا في النسب ويمكن أن تكون الإشارة إلى التراخي الرتبي فإن الطلاق وإن كان مباحا لا كراهة فيه على ما قيل لقوله تعالى لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن غير محبوب كالنكاح من حيث أنه يؤدي إلى قطع الوصلة وحل قيد العصمة المؤدي لقلة التناسل الذي به تكثر الأمة ولهذا ورد

الصفحة 48