كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

كما أخرج أبو داؤد وإبن ماجه والحاكم والطبراني وإبن عدي عن إبن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا أبغض الحلال إلى الله الطلاق ورواه البيهقي مرسلا بدون إبن عمر بل قال العلامة إبن الهمام : ألاصح حظره وكراهته إلا لحاجة لما فيه من كفران نعمة النكاح وللأخبار الدالة على ذلك ويحمل لفظ المباح في الخبر المذكور على ما أبيح في بعض الأوقات أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة وهو ظاهر في رواية لأبي داؤد ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق والفعل لا عموم له في الأزمان والحاجة المبيحة الكبر والريبة مثلا من المبيح عدم إشتهائها بحيث يعجز أو يتضرر بإكراهه نفسه على جماعها مع عدم رضاها بإقامتها في عصمته من غير وطء أو قسم
وأما ما روى عن الحسن السبط رضي الله تعالى عنه وكان قيل له في كثرة تزوجه وطلاقه فقال : أحب الغناء فقد قال تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته فهو رأي منه إن كان على ظاهره وكل ما نقل عن طلاق الصحابة رضي الله تعالى عنهم فمحمله وجود الحاجة وظاهر الآية يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة لأنه سبحانه نفى فيها وجوب العدة إذا طلقت قبل الجماع والخلوة ليست جماعا وهي عندنا إذا كانت صحيحة على الوجه المبين في كتب الفروع كالجماع في وجوب العدة فتجب فيه العدة إحتياطا لتوهم الشغل نظرا إلى التمكن الحقيقي بل قالوا هو مثله في جميع أحكامه سوى عشرة نظمها أفضل من عاصرناه من الفقهاء الشيخ محمد الأمين الشامي الشهير بإبن عابدين بقوله : وخلوته كالوطء في غير عشرة مطالبة بالوطء إحصان تحليل وفيء وارث رجعة فقد عنة وتحريم بنت عقد بكر وتغسيل وظاهر قولهم بوجوب العدة فيها أنها واجبة قضاء وديانة وفي الفتح قال العتابي : تكلم مشايخنا في العدة الواجبة بالخلوة الصحيحة أنها واجبة ظاهرا أو حقيقة فقيل : لو تزوجت وهي متيقنة بعدم الدخول حل لها ديانة لا قضاء ولم يتعقبه بشيء وذكره سعدي جلبي في حواشي البيضاوي وقال : ينبغي أن يكون التعويل على هذا القول وتعقب ذلك الشهاب الخفاجي بأنه وإن نقله فقهاؤنا فقد صرحوا بأنه لا يعول عليه ونحن لم نر هذا التصريح فليتبع ثم لا يخفى أن عدم وجوب العدة في الطلاق بعد الخلوة مما يعد منطوقا صريحا في الآية إذا فسر المس بالجماع وليس من باب المفهوم حتى يقال : إنا لا نقول به كما يتوهم فلابد لإثبات وجوب العدة في ذلك من دليل ومن الناس من حمل المس فيها على الخلوة إطلاقا لأسم المسبب إذا المس مسبب عن الخلوة عادة وأعترض بأنه لم يشتهر المس بمعنى الخلوة ولا قرينة في الكلام على إرادته منه وأيضا يلزم عليه أنه لو طلقها وقد وطئها بحضرة الناس عدم وجوب العدة لأنه قد طلقها قبل الخلوة وأجيب عن هذا بأن وجوب العدة في ذلك بالإجماع وبأن العدة إذا وجبت في الطلاق بمجرد الخلوة كانت واجبة فيه بالجماع من باب أولى وكيف لا تجب به ووجوبها بالخلوة لإحتمال وقوعه فيها لا لذاتها وقيل : إن المس لما لم يرد ظاهره وإلا لزمت العدة فيما لو طلقها بعد أن مسها بيده في غير خلوة مع أنها لا تلزم في ذلك بلا خلاف علم أنه كنى به عن معنى آخر من لوازم الإتصال فهو الجماع وما في معناه من الخلوة الصحيحة وفيه نظر لأن عدم صحة إرادة ظاهره لا يوجب إرادة ما يعم الجماع والخلوة لم لا يجوز إرادة الجماع ويرجحها شهرة الكناية

الصفحة 49