كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ولا يخفى على المنصف أن كون المعنى في الآية ما ذكره الزمخشري أظهر وتفضيل كل واحدة من نسائه صلى الله تعالى عليه وسلم على كل واحدة واحدة من سائر النساء لا يلزم أن يكون لهذه الآية بل هو لدليل آخر إما عقلي أو نص مثل قوله تعالى : وأزواجه أمهاتهم وقيل يجوز أن يكون ذلك لها فإنها تفيد بحسب عرف الإستعمال تفضيل كل منهن على سائر النساء لأن فضل الجماعة عل ىالجماعة يكون غالبا لفضل كل منها
إن أتقيتن شرط لنفي المثلية وفضلهن على النساء وجوابه محذوف دل عليه المذكور والإتقاء بمعناه المعروف في لسان الشرع والمفعول محذوف أي إن أتقيتن مخالفة حكم الله تعالى ورضا رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم والمراد إن دمتن على إتقاء ذلك ومثله شائع أو هو على ظاهره والمراد به التهييج بجعل طلب الدنيا والميل إلى ما تميل إليه النساء لبعده من مقامهن بمنزلة الخروج من التقوى أو شرط جوابه قوله تعالى : فلا تخضعن بالقول والإتقاء بمعناه الشرعي أيضا وفي البحر أنه بمعنى الإستقبال أي إن أستقبلتن أحدا فلا تخضعن وهو بهذا المعنى معروف في اللغة قال النابغة : سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته وأتقتنا باليد أي أستقبلتنا باليد ويكون هذا المعنى أبلغ في مدحهن إذ لم يعلق فضلهن عل ىالتقوى ولا علق نهيهن عن الخضوع بها إذ هن متقيات لله تعالى في أنفسهن والتعليق يقتضي ظاهره أنهن لسن متحليات بالتقوى وفيه أن أتقي بمعنى أستقبل وإن كان صحيحا لغة وقد ورد في القرآن كثيرا كقوله تعالى : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب إلا أنه لا يتأتى ههنا لأنه لا يستعمل في ذلك المعنى إلا مع المتعلق الذي تحصل به الوقاية كقوله سبحانه : بوجهه وقول النابغة باليد وما أستدل به أمره سهل وظاهر عبارة الكشاف إختيار كون إن أتقيتن شرطا جوابه فلا تخضعن وفسر إن أتقيتن بأن أردتن التقوى وإن كنتن متقيات مشيرا بذلك إلى أنه لا بد من تجوز في الكلام لأن الواقع أن المخاطبات متقيات فأما أن يكون المقصود الأولى المبالغة في النهي فيفسر بأن أردتن التقوى وإما أن يكون المقصود التهييج والإلهاب فيفسر بأن كنتن متقيات فليس في ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز كما توهم وقد قرر ذلك في الكشف ومعنى لا تخضعن بالقول لا تجبن بقولكن خاضعا أي ليناخنثا على سنن كلام المريبات والمومسات وحاصله لا تلن الكلام ولا ترققنه وهذا على ما قيل في غير مخاطبة الزوج ونحوه كمخاطبة الأجانب وإن كن محرمات عليهم على التأييد
روى عن بعض أمهات المؤمنين أنها كانت تضع يدها عل ىفمها إذا كلمت أجنبيا تغير صوتها بذلك خوفا من أن يسمع رخيما لينا وعد إغلاظ القول لغير الزوج من جملة محاسن خصال النساء جاهلية وإسلاما كما عد منها بخلهن بالمال وجبنهن وما وقع في الشعر من مدح العشيقة برخامة الصوت وحسن الحديث ولين الكلام فمن باب السفه كما لا يخفى وعن الحسن أن المعنى لا تكلمن بالرفث وهو كما ترى فيطمع الذي في قلبه مرض أي فجور وزنا وبذلك فسره إبن عباس وأنشد قول الأعشى : حافظ للفرج راض بالتقى ليس ممن قلبه فيه مرض والمراد نية أو شهوة فجور وزنا وعن قتادة تفسيره بالنفاق وأخرج إبن المنذر وإبن أبي حاتم عن زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما أنه قال : المرض مرضان فمرض زنا ومرض نفاق ونصب يطمع

الصفحة 5