كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

بذلك ونحوه عن الجماع وإطلاقه عليه إما من إطلاق أسم السبب على المسبب أو من إطلاق أسم المطلق على أخص بخصوصه وهو الأوجه على ماذكره العلامة إبن الهمام وبالجملة القول بأن ظاهر الآية يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة قول متين وحق مبين فتأمل
وفي البحر لأبي حيان الظاهر أن المطلقة إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ثم فارقها قبل أن يمسها لا تتم عدتها من الطلقة الأولى لأنها مطلقة قبل الدخول بها وبه قال داؤد وقال عطاء وجماعة : تمضي في عدتها عن طلاقها الأول وهو أحد قولي الشافعي وقال مالك : لا تبنى على العدة من الطلاق الأول وتستأنف العدة من يوم طلقها الطلاق الثاني وهو قول جمهور فقهاء الأمصار والظاهر أيضا أنها لو كانت بائنا غير مبتونة فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فكالرجعية في قول داؤد ليس عليها عدة لا بقية عدة الطلاق الأول ولا إستئناف عدة للثاني ولها نصف المهر وقال الحسن : وعطاء وعكرمة وإبن شهاب ومالك والشافعي وعثمان البتي وزفر : لها نصف الصداق وتتم بقية العدة الأولى وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف : لها مهر كامل للنكاح الثاني وعدة مستقبلة جعلوها في حكم المدخول بها لإعتدادها من مائه وفيه أيضا الظاهر أن الطلاق لا يكون إلا بعد العقد فلا يصح طلاق من لم يعقد عليها وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين
وقالت طائفة كثيرة منهم مالك يصح ذلك وعني بطلاق من لم يعقد عليها قول الرجل كل أمرأة أتزوجها فهي طالق أو إن تزوجت فلانة فهي طالق
وقد أخرج جماعة عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سئل عن ذلك فقال : هو ليس بشيء فقيل له : إن إبن مسعود كان يقول إن طلق ما لم ينكح فهو جائز فقال : أخطا في هذا وتلا الآية وفي بعض الروايات أنه قال : رحم الله تعالى أبا عبدالرحمن لو كان كما قال لقال الله تعالى : ياايها الذين آمنوا إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن ولكن إنما قال إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن
وفي الدر المنثور عدة أحاديث مرفوعة ناطقة بأن لا طلاق قبل نكاح والمذكور في فروعنا أن ذلك من باب التعليق وشرطه الملك أو الإضافة إليه فإذا قال : إن نكحت أمرأة فهي طالق أو إن نكحتك فأنت طالق وكل أمرأة أنكحها فهي طالق يقع الطلاق إذا نكح لأن ذلك تعليق وفيه إضافة إلى الملك ويكفي معنى الشرط إلا في المعينة بأسم ونسب كما إذا قال : فلانة بنت فلان التي أتزوجها فهي طالق أو بإشارة في الحاضرة كما لو قال : هذه المرأة التي أتزوجها طالق فإنها لا تطلق في الصورتين لتعريفها فلغا الوصف بالتي أتزوجها فصار كأنه قال : فلانة بنت فلان أو هذه المرأة طالق وهي أجنبية ولم توجد الإضافة إلى الملك فلا يقع الطلاق إذا تزوجها فتدبر
وقريء تماسوهن بضم التاء وألف بعد الميم وعن إبن كثير وغيره من أهل مكة تعتدونها بتخفيف الدال ونقلها عن إبن كثير إبن خالويه وأبو الفضل الرازي في اللوامح عنه وعن أهل مكة وقال إبن عطية : روى إبن أبي بزة عن إبن كثير أنه قرأ بتخفيف الدال من العدوان كأنه قال : فمالكم عدة تلزمونها عدوانا وظلما لهن والقراءة الأولى أشهر عنه وتخفيف الدال وهم من إبن أبي بزة وليس بوهم إذ قد نقله عنه جماعة غيره وخرج ذلك على أن تعتدونها من الإعتداء بمعنى الظلم كما في قوله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا والمراد تعتدون فيها كقوله : ويوما شهدناه سليما وعامرا قليل سوى طعن الدراك نوافله

الصفحة 50