كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وسلم والجواب المذكور لا يتسنى فيها ولعل الجواب عن ذلك أنه عليه الصلاة و السلام تسراها بيانا للجواز ولا يبعد أنه كان متحققا بدء أمرها وما جرى عليها بحيث كأنه باشر سبيها وشاهده ويحتمل أنها كانت مما أفاء الله تعالى عليه عليه الصلاة و السلام فملكتها زينب ببعض أسباب الملك ثم وهبتها له صلى الله تعالى عليه وسلم
ومع ذلك قد اطلق له عليه الصلاة و السلام حل المملوكة بعد ولم يقيد بحسب الظاهر بكونها مما أفاء الله عليه في قوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك
ثم إن هبة هذه الجارية كانت شهرة وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم والآية نزلت قبل لأنها نزلت إما سنة الأحزاب وهي السنة الخامسة من الهجرة وإما بعيد الفتح وهو السنة الثامنة منها وعلى هذا يكون ما وقع من أمر مارية متقدما على نزول الآية لأنها أهديت له صلى الله تعالى عليه وسلم السنة السابعة من الهجرة فإنه عليه الصلاة و السلام فيها أرسل رسله إلى الملوك ومنهم حاطب بن أبي بلتعة اللخمي أرسله إلى المقوقس أمير القبط المتقدم ذكره فقدم منه بمارية وبأختها شيرين وبأخ أو بإبن عم لها خصى يقال له مابور وببغلة تسمى دلدلا وبحمار يسمى يعفورا أو عفيرا وبألف مثقال ذهبا وبغير ذلك فتدبر ومثل ما ذكر على ما قيل تقييد القرائب بكونها مهاجرات معه صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله سبحانه : وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك فهن أفضل من غيرهن والمعية للتشريك في الهجرة لا للمقارنة في الزمان كأسلمت مع سليمان قال أبو حيان : يقال دخل فلان معي وخرج معي أي كان عمله كعملي وإن لم يقترنا في الزمان ولو قلت : خرجنا معا أقتضى المعنيين الإشتراك في الفعل والإقتران في الزمان وهو كلام حسن وحكى الماوردي قولا بأن الهجرة شرط في إحلال الأزواج على الإطلاق وهو ضعيف جدا وقولا آخر بأنها شرط في إحلال قراباته عليه الصلاة و السلام المذكورات وأستدل له بما أخرجه بن سعد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وإبن جرير وإبن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وإبن مردويه والبيهقي عن أم هانيء فاختة بنت أبي طالب قالت خطبني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأعتذرت إليه فعذرني فأنزل الله تعالى ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله سبحانه هاجرن معك قالت فلم أكن أخحل له لأني لم أهاجر معه كنت من الطلقاء وأجيب بأن عدم الحل لفقد الهجرة إنما فهم من قول أم هانيء فلعلها إنما قالت ذلك حسب فهمها إياه من الآية وهو لا ينتهض حجة علينا إلا إذا جاءت به رواية عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يقال : إنه أخرج إبن سعد عن أبي صالح مولى أم هانيء قال : خطب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أم هانيء بنت أبي طالب فقالت : يارسول الله إني مؤتمة وبني صغار فلما أدرك بنوها عرضت نفسها عليه عليه الصلاة و السلام فقال : أما الآن فلا إن الله تعالى أنزل على ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك إلىاللاتي هاجرن معك ولم تكن من المهاجرات وهو يدل على أنه نفسه صلى الله تعالى عليه وسلم فهم الحرمة وإلا لتزوجها لأنا نقول بعد تسليم صحة الخبر : لا نسلم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم فهم الحرمة وعدم التزوج يجوز أن يكون لكونه خلاف الأفضل ويدل خبر أم هانيء على أن هذه الآية نزلت بعد الفتح فلا تغفل وأدعى بعضهم أن تحريم نكاح غير المهاجرة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم كان أولا ثم نسخ وعن قتادة أن معنى هاجرن معك أسلمن معك قيل : وعلى هذا لا يحرم عليه عليه الصلاة و السلام إلا الكافرات وهو في غاية البعد كما لا يخفى والظاهر أن المراد بأزواجك اللاتي أتيت مهورهن

الصفحة 53