كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وقال بعض الأجلة المعاصرين من العلماء المحققين لازال سعيد زمانه سابقا بالفضل على أقرانه : يحتمل أن يكون إفراد العم لأنه بمنزلة الأب بل قد يطلق عليه الأب ومنه في قول : وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر والأب لا يكون إلا واحدا فكان الأفراد أنسب بمن ينزل منزلته ويكون جمع العمة على الأصل وإفراد الخال ليكون على وفق العم وجمع الخالة وإن كانت بمنزلة الأم لتكون على وفق العمات ويحتمل أن يكون إفراد المدكر وجمع المؤنث لقلة الذكور وكثرة الإناث وقد ورد في الآثار ما يدل على أن النساء أكثر من الرجال
وقال آخر من أؤلئك الأجلة لا زالت مدارس العلم تزهو به وتشكر فضله : إن ذلك لما فيه من الحسن اللفظي فإن بين العم والعمات والخال والخالات نوعا من الجناس ولأن أعمامه عليه الصلاة و السلام كانوا على ماذكره صاحب ذخائر العقبى إثني عشر عما وعماته كن ستا فلو قيل أعمامك لتوهم أنهم أقل من إثني عشر لأنه جمع قلة وغاية ما يصدق هو عليه تسعة أو عشرة على قول ولو قيل : عمتك لم تتحقق الإشارة إلى قلتهن فلذا أفرد العم وجمعت العمة وقيل : خالك وخالاتك ليوافق ما قبل وأنا أقول : الذي يغلب على ظني في ذلك ما حكاه أبو حيان عن القاضي أبي بكر بن العربي من أن ما ذكر عرف لغوي على معنى أنه جرى عرف اللغويين في مثل ذلك على إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة ونحن قد تتبعنا كثيرا من أشعار العرب فلم نر العم مضافا إليه إبن أو بنت بالأفراد أو الجمع إلا مفردا نحو قوله : جاء شقيق عارضا رمحه
إن بنى عمك فيهم رماح وقوله : فتى ليس لإبن العم كالذئب إن رأى
بصاحبه يوما دما فهو آكله وقوله : قالت بنات العم ياسلمي وإن
كان فقيرا معدما قالت وإن وقوله : يابنت عما لا تلومي وأهجعي
فليس يخلو عنك يوما مضجعي إلى ما لا يحصى كثرة وأما أطراد إفراد الخال وجمع العمة والخالة إذا أضيف إليها ما ذكر فلست على ثقة من أمره فإذا كان الأمر في المذكورات كالأمر في العم فليس فوق هذا الجواب جواب والظن بالقاضي أنه لم يحكم بما حكم إلا عن بينة مع أني لا أطلق القول بعدم قبول حكم القاضي بعلمه ولا أفتي به نعم لهذا القاضي حكم مشهور في أمر الحسين رضي الله تعالى عنه ولعن من رضى بقتله لا يرتضيه إلا يزيد زاد الله عزوجل عليه عذابه الشديد وعلى تقدير كون الأمر في العم ومن معه كما قال يحتمل أن يكون الداعي لإفراد العم والخال الرجوع إلى اصل واحد مع ما بين الذكور من جهة العمومة والخؤلة في حق الشخص المدلي بهما من التناصر والتساعد فلذلك ترى الشخص يهرع لدفع بليته إلى ذكور عمومته وخؤلته وذلك التعاضد يجعل المتعدد في حكم الواحد ويقوي هذا الإعتبار هنالك إضافة الفرع كالبنين والبنات إلى ذلك ولعل في الإفراد مع جمع المضاف المذكور إشارة إلى أن البنين والبنات وإن كانوا بنين وبنات لمتعددين في نفس الأمر إلا أنهم في حكم البنين والبنات لواحد وأن كل واحد من الأعمام والأخوال لمزيد شفقته على أبناء وبنات كل كأنه أب لأبناء وبنات كل وهذا الذي ذكرناه لا يوجد في العمات والخالات ولا يرد عليه جمع العم والخال في آية النور كما لا يخفى على من له أدنى نور يهتدي به إذا أشكلت الأمور ويمكن أن يقال في الحكمة ههنا خاصة : أنه لما كان المفرد

الصفحة 57