كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أصلا والمجموع فرعه والمذكر أصلا والمؤنث فرعه أتى بالعم والخال المذكرين مفردين وبالعمة والخالة المؤنثين مجموعين فأجتمع في الأولين أصلان وفي الأخيرين فرعان بحكم شبيه الشيء منجذب إليه وإن الطيور على أشباهها تقع وما ألطف هذا الإجتماع في منصة مقام النكاح لما فيه من الإشارة إلى الكفاءة وأن المناسب ضم الجنس إلى جنسه كما يقتضيه بعض الآيات وهو لعمري ألطف من جمع المذكر وإفراد المؤنث ليجتمع في كل أصل وفرع فيوافق ما في النكاح من إجتماع ذكر هو أصل وأنثى هي فرع لخلوه عن الإشارة إلى ذلك الضم المناسب المستحسن عند كل ذي رأي صائب على أن في جمع أصلين في العم موافقة لما في النكاح من جمع الزوجين الذين هما أصلان لما يتولد منهما وإذا أعتبر جمعهما في الخال الذي قرابته من جهة الأم التي لا تعتبر في النسب وافق الجملة ما في النكاح من إجتماع أصل وفرع فلا يفوت ذلك بالكلية على ما في النظم الجليل
وأيضا في الإنتقال من الأفراد إلى الجمع في جانبي العمومة والخؤلة إشارة إلى ما في النكاح من إنتقال كل من الزوج والزوجة من حال الإنفراد إلى حال الإجتماع فلله تعالى در التنزيل هذا ما عندي وهو زهرة ربيع لا تتحمل الفرك ومع هذا قسه إلى ما سمعت عن ساداتنا المعاصرين وأختر لنفسك ما يحلو والله تعالى أعلم بأسرار كتابه
وأمرأة مؤمنة بالنصب عطفا على مفعول أحللنا عند جمع وليس معنى أحللنا إنشاء لا حلال الناجز ولا الأخبار عن إحلال ماض بل إعلام بمطلق الإحلال المنتظم لما سبق ولحق فلا يعكر على ذلك الشرط وهذا كما تقول أبحت لك أن تكلم فلانا إن سلم عليك ولما فيه من البحث قال بعضهم : إنه نصب بفعل يفسره ما قبل أي ويحل لك أمرأة أو وأحللنا لك أمرأة وهو مستقبل لمكان الشرط وقرأ أبو حيوة بالرفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف أي وأمرأة مؤمنة أحللناها لك أيضا إن وهبت نفسها للنبي أي ملكته المتعة بها بأي عبارة كانت بلا مهر
وقرأ أبي والحسن والشعبي وعيسى وسلام أن وهبت بفتح الهمزة أي لأن وهبت وقيل : أي وقت أن وهبت أو مدة أن وهبت فتكون أن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب على الظرفية وأكثر النحاة لا يجيزونه في غير المصدر الصريح كآتيك خفوق النجم وغير ما المصدرية وجوز أن يكون المصدر بدلا من أمرأة وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما إذ وهبت وإذ ظرف لما مضى وقيل : هي مثلها في قوله تعالى : ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون إن أراد النبي أن يستنكحها أي يتملك المتعة بها بأي عبارة كانت بلا مهر وهذا شرط للشرط الأول في إستيجاب الحل فهبتها نفسها منه لا يوجب له حلها إلا بإرادته نكاحها وهذه الإرادة جارية مجرى قبول الهبة وقال إبن كمال : الإرادة المذكورة عبارة عن القبول ولا وجه لحملها على الحقيقة لأن قوله تعالى : يستنكحها يغني عن الإرادة بمعناه الوضعي وهو يشير إلى أن السين للطلب وكلام بعض الأجلة على هذا حيث قال : إرادة طلب النكاح كناية عن القبول
وقيل : أستفعل هنا بمعنى فعل فالإستنكاح بمعنى النكاح لئلا يتوهم التكرار وفيه نظر وأستظهر صاحب هذا القيل حمل الإرادة على الإرادة المتقدمة على الهبة بناء على أن التركيب يقتضي تقدم هذا الشرط فقد قالوا : إذا أجتمع شرطان فالثاني شرط في الأول متأخر في اللفظ متقدم في الوقوع وهو بمنزلة الحال ومن هنا قال :

الصفحة 58