كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

الفقهاء : لو قال : إن ركبت إن أكلت فأنت طالق لا تطلق ما لم يتقدم الآكل على الركوب ليتحقق تقييد الحالية
وأستشكل السمين هذه القاعدة بما هنا بناء على أنهم جعلوا ذلك الشرط بمنزلة القبول لإقتضاء الواقع ذلك ثم ذكر أنه عرضه على علماء عصره فلم يجدوا مخلصا منه إلا بأن هذه القاعدة ليست بكلية بل مخصوصة بما لم تقم قرينة على تأخر الثاني كما في نحو إن تزوجتك إن طلقتك فعبدي حرفان الطلاق لا يتقدم التزوج وما نحن فيه من هذا القبيل ثم قال : فمن جعل الشرط الثاني هنا مقدما لم يصب ورأيت في الفن السابع من الأشباه والنظائر النحوية للجلال السيوطي عليه الرحمة كلاما لإبن هشام ذكر فيه أن جعل الآية كالمثال ونظمهما في سلك مسئلة إعتراض الشرط على الشرط هو ما ذهب إليه جماعة منهم إبن مالك وذهب هو إلى أن المثال من مسئلة الإعتراض المذكور دون الآية وأحتج عليه بما أحتج ثم ذكر الخلاف في صحة تركيب ما وقع فيه الإعتراض كالمثال وأن الجمهور على جوازه وهو الصحيح وأن المجيزين أختلفوا في تحقيق ما يقع به مضمون الجواب الواقع بعد الشرطين على ثلاثة مذاهب أحدهما أنه إنما يقع بمجموع أمرين أحدهما حصول كل من الشرطين والآخر كون الشرط الثاني واقعا قبل وقوع الأول ففي المثال لا يقع الطلاق إلا بوقوع الركوب والأكل من تقدم وقوع الأكل على الركوب وذكر أن هذا مذهب الجمهور وثانيهما أنه يقع بحصول الشرطين مطلقا وذكر أنه حكاه له بعض العلماء عن إمام الحرمين وأنه رآه محكيا عن غيره بعد وثالثهما أنه يقع بوقوع الشرطين على الترتيب فإنما تطلق في المثال إذا ركبت أولا ثم أكلت وأبطل كلا من المذهبين الأخيرين وذكر في توجيه التركيب على المذهب الأول مذهبين الأول مذهب الجمهور أن الجواب المذكور للشرط الأول وجواب الثاني محذوف لدلالة الأول وجوابه عليه ولإغناء ذلك عنه وقيامه مقامه لزم في وقوع المعلق على ذلك أن يكون الثاني واقعا قبل الأول ضرورة أن الجواب لا بد من تأخره عن الشرط فكذا الأمر في القائم مقام الشرط والثاني مذهب إبن مالك أن الجواب المذكور للأول والثاني لا جواب له مذكور ولا مقدر لأنه مقيد للأول تقييده بحال واقعة موقعه فالمعنى في المثال إن ركبت آكلة فأنت طالق وفيه أنه خارج عن القياس وأنه لا يطرد في إن قمت إن قعدت فأنت طالق وأن الشرط بعيد عن مذهب الحال لمكان الإستقبال
وبالجملة قد أطال الكلام في هذه المسألة وهي مسئلة شهيرة ذكرها الأصوليون وغيرهم وفيما ذكرنا فيها إكتفاء بأقل اللازم ههنا فتأمل
وأكثر العلماء على وقوع الهبة وأختلفوا في تعيين الواهبة فعن إبن عباس وقتادة وعكرمة هي ميمونة بنت الحرث الهلالية وفي المواهب يقال : إن ميمونة وهبت نفسها للنبي وذلك أن خطبته عليه الصلاة و السلام إنتهت إليها وهي على بعيرها فقالت : البعير وما عليه لله ولرسوله وكان ذلك سنة سبع بعد غزوة خيبر وبنى عليها عليه الصلاة و السلام بسرف على عشرة أميال من مكة وعليه تكون إرادة النكاح سابقة على الهبة فيضعف به قول السمين : وعن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما والضحاك ومقاتل هي أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية قال في الصفوة : والأكثرون على أنها هي التي وهبت نفسها للنبي فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت وفي الدر المنثور عن منير بن عبدالله الدوسي أنه عليه الصلاة و السلام قبلها وعن عروة والشعبي هي زينب بنت خزيمة من الأنصار كانت تدعى في الجاهلية أم المساكين لإطعامها إياهم وكان ذلك في سنة ثلاث ولم

الصفحة 59