كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

تلبث عنده إلا قليلا حتى توفيت رضي الله تعالى عنها
وأخرج إبن أبي حاتم وإبن مردويه والبيهقي في السنن عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : التي وهبت نفسها للنبي خولة بنت حكيم وقد أرجأها عليه الصلاة و السلام فتزوجها عثمان بن مظعون بإذنه وقال بعضهم : يجوز تعدد الواهبات فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن عروة بن الزبير قال : كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي فقالت عائشة : أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجى من تشاء منهن قالت عائشة : يارسول الله ما أرى بك إلا يسارع لك في هواك فقوله : من اللاتي وهبن أنفسهن صريح في تعددهن وأنكر بعضهم وقوع الهبة وقيل : إن قوله تعالى : إن وهبت يشير إلى عدم وقوعها وأنها أمر مفروض وكذا تنكير أمرأة فالمراد الأعلام بالإحلال في هذه الصورة أن أتفقت وأنكر بعضهم القبول
أخرج إبن سعد عن إبن أبي عون أن ليلى بنت الحطيم وهبت نفسها للنبي ووهبن نساء أنفسهن فلم نسمع أن النبي قبل منهن أحدا وما أخرجه إبن جرير وإبن أبي حاتم والطبراني وإبن مردويه والبيهقي في السنن عن إبن عباس قال : لم يكن عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمرأة وهبت نفسها له يحتمل نفي القبول ويحتمل نفي الهبة وإيراده صلى الله تعالى عليه وسلم في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الإلتفات للتكرمة والإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم فيختص به عليه الصلاة و السلام حسب إختصاصها به كما ينطق به قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين ويتضمن ذلك الإشارة إلى أن هبة من تهب لم تكن حرصا على الرجال وقضاء الوطر بل على الفوز بشرف خدمته صلى الله تعالى عليه وسلم والنزول في معدن الفضل وبذلك يعلم أن قول عائشة : ما في المرأة وهبت نفسها لرجل خير وكذا إعتراضها السابق صادر من شدة غيرتها رضي الله تعالى عنها على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا بدع فالمحب غيور وقد قال بعض المحبين : أغار إذا آنست في الحي أنة حذارا وخوفا أن تكون لحبه ونصب خالصة على أنه مصدر مؤكد للجملة قبله وفاعلة في المصادر على ما قال الزمخشري غير كالعافية والكاذبة وأدعى أبو حيان عزتها والكثير على تعلق ذلك بإحلال الواهبة أي خلص لك إحلالها خالصة أي خلوصا وقال الزجاج : هو حال من أمرأة لتخصصها بالوصف أي أحللناها خالصة لك لا تحل لأحد غيرك في الدنيا والآخرة
وقال أبو البقاء : هو حال من ضمير وهبت أو صفة لمصدر محذوف أي هبة خالصة وقريء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ذاك خلوص لك وخصوص أو هي أي تلك المرأة أو الهبة خالصة لك لا تتجاوز المؤمنين
وأستدل الشافعية رضي الله تعالى عنهم به على أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة لأن اللفظ تابع للمعنى وقد خص عليه الصلاة و السلام بالمعنى فيختص باللفظ وقال بعض أجلة أصحابنا في ذلك : إن المراد بالهبة في الآية تمليك المتعة بلا عوض بأي لفظ كان لا تمليكها بلفظ وهبت نفسي فحيث لم يكن ذلك نصا في التمليك بهذا اللفظ لم يصلح لأن يكون مناطا للخلاف في إنعقاد النكاح بلفظ الهبة إيجابا وسلبا ومعنى خلوص الإحلال المذكور له صلى الله تعالى عليه وسلم من دون المؤمنين كونه متحققا في حقه غير متحقق في حقهم إذ لا بد في

الصفحة 60