كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

الإحلال لهم من مهر المثل
وظاهر كلام العلامة إبن الهمام إعتبار لفظ الهبة حيث قال في الفتح : قد ورد النكاح بلفظ الهبة وساق الآية ثم قال : والأصل عدم الخصوصية حتى يقوم دليلها وقوله تعالى خالصة لك يرجع إلى عدم المهر بقرينة إعقابه بالتعليل بنفي الحرج ليس في ترك لفظ إلى غيره خصوصا بالنسبة إلى أفصح العرب بل في لزوم المال وبقرينة وقوعه في مقابلة المؤتى أجورهن فصار الحاصل أحللنا لك الأزواج المؤتى مهورهن والتي وهبت نفسها لك فلم تأخذ مهرا خالصة هذه الخصلة لك من دون المؤمنين أما هم فقد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم إلخ من المهر وغيره وأبدى صدر الشريعة جواز كونه متعلقا بأحللنا قيدا في إحلال أزواجه له صلى الله تعالى عليه وسلم لإفادة عدم حلهن لغيره صلى الله تعالى عليه وسلم إنتهى وجوز بعضهم كونه قيدا في إحلال الإماء أيضا لإفادة عدم حل إمائه كأزواجه لأحد بعده عليه الصلاة و السلام وبعض آخر كونه قيدا لإحلال جميع ما تقدم على القيود المذكورة أي خلص إحلال ما أحللنا لك من المذكورات على القيود المذكورة خلوصها من دون المؤمنين فإن إحلال الجميع على القيود المذكورة غير متحقق في حقهم بل المتحقق فيه إحلال بعض المعدود على الوجه المعهود وأختاره الزمخشري وأياما كان فقوله تعالى : قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم إعتراض بين المتعلق والمتعلق والأول على جميع الأوجه قوله سبحانه : لكيلا يكون عليك حرج والثاني على الوجه الأخير وهو تعلق خالصة بجميع ما سلف من الإحلالات الأربع قوله تعالى خالصة وهو مؤكد معنى إختصاصه عليه الصلاة و السلام بما أختص به بأن كلا من الإختصاص عن علم وأن هذه الحظوة مما يليق بمنصب الرسالة فحسب فالمعنى أن الله تعالى قد علم ما ينبغي من حيث الحكمة فرضه على المؤمنين في حق الأزواج والإماء وعلى أي حد وصفة ينبغي أن يفرض عليهم ففرضه وأختصك سبحانه بالتنزيه وإختيار ما هو أولى وأفضل في دنياك حيث أحل جل شأنه لك أجناس المنكوحات وزاد لك الواهبة نفسها من غير عوض لئلا يكون عليك ضيق في دينك وهو على الوجه الأول الذي ذكرناه وهو تعلق خالصة بالواهبة خاصة قوله عزوجل : إنا أحللنا وهو الذي أستظهره أبو حيان وأمر الإعتراض عليه في حاله وبعضهم يجعل المتعلق خالصة على سائر الأوجه والتعلق به بإعتبار ما فيه من معنى ثبوت الإحلال وحصوله له صلى الله تعالى عليه وسلم لا بإعتبار إختصاصه به عليه الصلاة و السلام لأن مدار إنتفاء الحرج هو الأول لا الثاني الذي هو عبارة عن عدم ثبوته لغيره صلى الله تعالى عليه وسلم
وقال إبن عطية : إن لكيلا إلخ متعلق بمحذوف أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لئلا يكون عليك حرج ويظن بك أنك قد أثمت عند ربك عزوجل فلا إعتراض على هذا ولا يخلو عن إعتراض فتدبر ولا تغفل
وكان الله غفورا أي كثير المغفرة فيغفر ما يشاء مما يعسر التحرز عنه وغيره رحيما 05 أي وافر الرحمة ومن رحمته سبحانه أن وسع الأمر في مواقع الحرج ترجى من تشاء منهن أي تؤخر من تشاء من نسائك وتترك مضاجعها وتؤوي إليك من تشاء وتضم إليك من تشاء منهن وتضاجعها وروى هذا عن قتادة
وعن إبن عباس والحسن أي تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء وقال بعضهم : الإرجاء والإيواء

الصفحة 61