كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أبعد من أولهما بكثير ومثله إعتبار ما أعتبره من القيود وبالجملة هو قول تبعد نسبته إلى الحسن وأبعد من ذلك نسبته إلى ترجمان القرآن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما كما في الدر المنثور
ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن أي تفويض الأمر إلى مشيئتك أقرب إلى قرة عيونهن وسرورهن ورضاهن جميعا لأنه حكم كلهن فيه سواء ثم إن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا منك وإن رجحت بعضهن علمن أنه بحكم الله تعالى فتطمئن به نفوسهن وروى هذا عن قتادة والمراد بما آتيتهن عليه ما صنعت معهن فيتناول ترك المضاجعة والقسم وعن إبن عباس ومجاهد أن المعنى أنهن إذا علمن أن لك ردهن إلى فراشك بعد ما أعتزلتهن قرت أعينهن ولم يحزن ويرضين بما تفعله من التسوية والتفضيل لأنهن يعلمن أنك لم تطلقهن وظاهره جعل المشار إليه العلم بأن له صلى الله تعالى عليه وسلم الإيواء وأظهر منه في ذلك قول الجبائي ذلك العلم منهن بأنك إذا عزلت واحدة كان لك أن تؤويها بعد ذلك أدنى لسرورهن وقرة أعينهن
وقال بعض الأجلة : كون الإشارة إلى التفويض أنسب لفظا لأن ذلك للبعيد وكونها إلى الإيواء أنسب معنى لأن قرة عيونهن بالذات إنما هي بالإيواء فلا تغفل والأعين جمع قلة وأريد به ههنا جمع الكثرة وكأن إختياره لأنه أوفق بكمية الأزواج وقرأ إبن محيصن تقر من أقر وفاعله ضميره و أعينهن بالنصب على المفعولية
وقريء تقر مبنيا للمفعول وأعينهن بالرفع نائب الفاعل و كلهن بالرفع في جميع ذلك وهو توكيد لنون يرضين
وقرأ أبو أياس جوية بن عائذ كلهن بالنصب تأكيدا لضميره في آتيتهن قال إبن جني : وهذه القراءة راجعة إلى معنى قراءة العامة كلهن بضم اللام وذلك أن رضاهن كلهن بما أوتين كلهن على إنفرادهن وإجتماعهن فالمعنيان أذن واحد إلا أن للرفع معنى وذلك أن فيه إصراحا من اللفظ بأن يرضين كلهن والأصراح في القراءة الشاذة إنما هو في إتيانهن وإن كان محصول الحال فيهما واحدا مع التأويل إنتهى وقال الطيبي : في توكيد الفاعل دون المفعول إظهار لكمال الرضا منهن وإن لم يكن الإيتاء كاملا سويا وفي توكيد المفعول إظهار إنهن مع كمال الإيتاء غير كاملات في الرضا والأول أبلغ في المدح لأن فيه معنى التتميم وذلك أن المؤكد يرفع إيهام التجوز عن المؤكد إنتهى فتأمل والله يعلم ما في قلوبكم خطاب له ولأزواجه المطهرات على سبيل التغليب
والمراد بما في القلوب عام ويدخل فيه ما يكون في قلوبهن من الرضا بما دبر الله تعالى في حقهن من تفويض الأمر إليه صلى الله تعالى عليه وسلم ومقابل ذلك وما في قلبه الشريف عليه الصلاة و السلام من الميل إلى بعضهن دون بعض والكلام بعث على الإجتهاد في تحسين ما في القلوب ولعل إعتباره صلى الله تعالى عليه وسلم في الخطاب لتطييب قلوبهن وفي الكشاف أن هذا وعيد لمن لم يرض منهن بما دبر الله تعالى من ذلك وفوض سبحانه إلى مشيئة رسوله عليه الصلاة و السلام وبعث على تواطيء قلوبهن والتصافي بينهن والتوافق على طلب رضا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وطيب نفسه الكريمة والظاهر أنه غير قائل بدخوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الخطاب وحينئذ فأما أن يقول : إنه عام لهن ولسائر المؤمنين وإما أن يقول بأنه خاص بهن ولعله ظاهر كلامه وعليه لا يظهر وجهه التذكير وربما يقال على الأول : إن المقام غير ظاهر في إقتضاء دخول سائر المؤمنين في الخطاب وقال إبن عطية : الإشارة بذلك ههنا إلى ما في قلب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من محبة شخص دون شخص ويدخل في المعنى المؤمنون وربما يتخيل أن الخطاب لجميع المكلفين والكلام بعث على تحسين

الصفحة 63