كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أخترنكأخترنك أي لقد حرم عليك تزويج غيرهن وأخرج أبو داؤد في ناسخه وإبن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال لما خيرهن فأخترن الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم قصره عليهن فقال سبحانه لا يحل لك النساء من بعد وأخرج إبن مردويه عن إبن عباس أنه قال في الآية حبسه الله تعالى عليهن كما حبسهن عليه عليه الصلاة و السلام وقدر بعضهم المضاف إليه المحذوف إختيارا أي من بعد إختيارهن الله تعالى ورسوله
وقال الإمام : هو أولى وكان ذلك لكونه أدل على أن التحريم كان كرامة لهن وشكرا على حسن صنيعهن
وجوز آخر أن يكون التقدير من بعد اليوم وماله تحريم من عدا اللاتي أخترنه عليه الصلاة و السلام
وحكى في البحر عن إبن عباس وقتادة قال : لما خيرن فأخترن الله تعالى ورسوله جازاهن أن حظر عليه النساء غيرهن وتبديلهن ونسخ سبحانه بذلك ما أباحه له قبل من التوسعة في جميع النساء وحكى أيضا عن مجاهد وإبن جبير أن المعنى من بعد إباحة النساء على العموم وقيل التقدير من بعد التسع على معنى أن هذا العدد مع قطع النظر عن خصوصية المعدود نصابه من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمته منهن فالمعنى لا يحل لك الزيادة على التسع ولا أن تبدل أصله تتبدل فخفف بحذف إحدى التاءين أي ولا يحل لك أن تستبدل بهن من أزواج بأن تطلق واحدة منهن وتنكح بدلها أخرى ففي الآية حكمان حرمة الزيادة وحرمة الإستبدال وظاهره أنه يحل له عليه الصلاة و السلام نكاح أمرأة أخرى على تقدير أن تموت واحدة من التسع وإذا كان المراد من الآية تحريم من عدا اللاتي أخترنه عليه الصلاة و السلام أفادت الآية أنه لو ماتت واحدة منهن لم يحل له نكاح أخرى وكلام إبن عباس السابق ظاهر في ذلك جدا وكأن قوله تعالى ولا أن تبدل إلخ عليه لدفع توهم أن المحرم ليس إلا أن يرعهن صلى الله تعالى عليه وسلم بواحدة من الضرائر
وفي رواية أخرى عن عكرمة أن المعنى لا يحل لك النساء من بعد هؤلاء اللاتي سمى الله تعالى لك في قوله سبحانه ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك الآية فلا يحل له صلى الله تعالى عليه وسلم ما وراء الأجناس الأربعة كالأعرابيات والغرائب ويحل له منها ماشاء وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وغيرهما عن إبن عباس ما هو ظاهر في ذلك حيث قال في الخبر وقال تعالى : ياأيها النبي إنا أحللنا لك إلى قوله سبحانه خالصة لك وحرم ما سوى ذلك من أصناف النساء وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد المسند وإبن جرير وإبن المنذر والضياء في المختارة وغيرهم عن زياد قال : قلت لأبي بن كعب لاضي الله تعالى عنه أرأيت لو أن أزواج النبي عليه الصلاة و السلام متن أما يحل له أن يتزوج قال : وما يمنعه من ذلك قلت : قوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد فقال : إنما أحل له ضربا من النساء ووصف له صفة فقال سبحانه ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله تعالى وأمرأة مؤمنة إلخ ثم قال تبارك وتعالى لا يحل لك النساء من بعد هذه الصفة وعلى هذا القول قال الطيبي : يكون قوله سبحانه ولا أن تبدل إلخ تأكيدا لما قبله من تحريم غير ما نص عليه من الأجناس الأربعة وكأن ضمير بهن للأجناس المذكورة في قوله تعالى ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك الآية والمعنى لا يحل لك أن تترك هذه الأجناس وتعدل عنها إلى أجناس غيرها وقال شيخ الإسلام أبو السعود عليه الرحمة بعد ما حكى القول المذكور يأباه قوله تعالى : ولا أن تبدل بهن إلخ فإن المعنى إحلال الأجناس المذكورة إحلال

الصفحة 65