كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

نكاحهن فيكون التبدل بهن إحلال نكاح غيرهن بدل إحلال نكاحهن وذلك إنما يتصور بالنسخ الذي هو ليس من الوظائف البشرية إنتهى فتأمل ولا تغفل وقيل ولا أن تبدل من البدل الذي كان في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل بادلني بأمرأتك وأبادلك بأمرأتي فينزل كل واحد منهما عن أمرأته للآخر وروى نحوه عن إبن زيد وأنكر هذا القول الطبري وغيره في معنى الآية وقالوا ما فعلت العرب ذاك قط وما روى من حديث عيينة بن حصن أنه قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين دخل عليه بغير إستئذان وعنده عائشة : من هذه الحميراء فقال : عائشة فقال عيينة : يارسول الله إن شئت نزلت لك عن سيدة نساء العرب جمالا ونسبا فليس بتبديل ولا أراد ذلك وإنما أحتقر عائشة رضي الله تعالى عنها لأنها كانت إذ ذاك صبية ومن مزيد لتأكيد الإستغراق فيشمل النهي تبدل الكل والبعض وقوله تعالى ولو أعجبك حسنهن في موضع الحال فاعل تبدل والتقدير مفروضا إعجابك بهن وحاصله ولا تبدل بهن من أزواج على كل حال وظاهر كلام بعضهم أنه لا يجوز أن يكون حالا من مفعوله أعني أزواجا وعلل ذلك بتوغله في التنكير وتعقب بأنه مخالف لكلام النحاة فإنهم جوزوا الحال من النكرة إذا وقعت منفية لأنها تستغرق حينئذ فيزول إبهامها كما صرح به الرضى
وقيل إن التنكير مانع من الحالية ههنا لأن الحال تقاس بالصفة والواو مانعة من الوصفية فتمنع من الحالية ومنع لزوم القياس مع أن الزمخشري وغيره جوزوا دخول الواو على الصفة لتأكيد لصوقها وقيل في عدم جواز ذلك إن ذا الحال إذا كان نكرة يجب تقديمها ولم تقدم ههنا وتعقب بأن ذلك غير مسلم في الجملة المقرونة بالواو لكونه بصورة العاطف وأستظهر صاحب الكشف الجواز وذكر أن المعنى في الحالين لا يتفاوت كثير تفاوت لأنه إذا تقيد الفعل لزم تقيد متعلقاته وإنما الإختلاف في الإصالة والتبعية وضمير حسنهن للأزواج والمراد بهن من يفرضن بدلا من أزواجه اللاتي في عصمته عليه الصلاة و السلام فتسميتهن أزواجا بإعتبار ما يعرض مآلا وهذا بناء على أن باء البدل في بهن داخلة على المتروك دون المأخوذ فلو أعتبرت داخلة على المأخوذ كان الضمير للنساء لا للأزواج وممن أعجبه صلى الله تعالى عليه وسلم حسنهن على ما قيل أسماء بنت عميس الخثعمية أمرأة جعفر بن أبي طالب بعد وفاته رضي الله تعالى عنه وفي قوله سبحانه : ولو أعجبك حسنهن على ما نقل عن إبن عطية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها وفي الأخبار أدلة على ذلك وتفصيل الأقوال فيه في كتب الفروع وأختلف في أن الآية الدالة على عدم حل النساء له هل هي محكمة أم لا فعن أبي بن كعب وجماعة منهم الحسن وإبن سيرين وأختاره الطبري وأستظهره أبو حيان أنها محكمة وعن علي كرم الله تعالى وجهه وإبن عباس وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما والضحاك عليه الرحمة أنها منسوخة وروى ذلك عن عائشة رضي الله تعالى عنها
أخرج أبو داؤد في ناسخه والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه أيضا وإبن المنذر وغيرهم عنها قالت : لم يمت رسول الله حتى أحل الله تعالى له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم لقوله سبحانه : ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء وهذا ظاهر في أن الناسخ قوله تعالى ترجى إلخ وهو مبني على أن المعنى تطلق من تشاء وتمسك من تشاء ووجه النسخ به على هذا التفسير أنه يدل بعمومه على أنه أبيح له الطلاق والإمساك لكل من يريد فيدل على أن له تطليق منكوحاته ونكاح من يريد من غيرهن إذ

الصفحة 66