كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ليس المراد بالإمساك إمساك من سبق نكاحه فقط لعموم من تشاء وقوله سبحانه : وتؤوي ليس مقيدا بمنهن كذا قال الخفاجي : وفي القلب منه شيء ولا بد على القول بأن النسخ بذلك من القول بتأخر نزوله عن نزول الآية المنسوخة إذ لا يمكن النسخ مع التقدم وهو ظاهر ولا يعكر التقدم في المصحف لأن ترتيبه ليس على حسب النزول وقال بعضهم : إن الناسخ السنة ويغلب على الظن أنها كانت فعله عليه الصلاة و السلام
أخرج إبن أبي شيبة وعبد بن حميد وإبن المنذر وإبن أبي حاتم عن عبدالله بن شداد أنه قال : في قوله تعالى : ولا أن تبدل إلخ ذلك لو طلقهن لم يحل له أن يستبدل وقد كان ينكح بعد ما نزلت هذه الآية ما شاء ونزلت وتحته تسع نسوة ثم تزوج بعد أم حبيبة بنت أبي سفيان وجويرية بنت الحرث رضي الله تعالى عنهما والظاهر على القول بأن الآية نزلت كرامة للمختارات وتطييبا لخواطرهن وشكرا لحسن صنيعهن عدم النسخ والله تعالى أعلم وقوله : إلا ما ملكت يمينك إستثناء من النساء متصل بناء على أصل اللغة لتنازله عليه الحرائر والإماء ومنقطع بناء على العرف لإختصاصه فيه بالحرائر ولا أن تبدل بهن من أزواج كالصريح فيه
وقال إبن عطية : إن ما إن كانت موصولة واقعة على الجنس فهو إستثناء من الجنس مختار فيه الرفع على البدل من النساء ويجوز النصب على الإستثناء وإن كانت مصدرية فهي في موضع نصب لأنه إستثناء من غير الجنس الأول إنتهى وليس بجيد لأنه قال والتقدير إلا ملك اليمين وملك بمعنى مملوك فإذا كان بمعنى مملوك لم يصح الجزم بأنه ليس من الجنس وأيضا لا يتحتم النصب وإن فرضنا أنه من غير الجنس حقيقة بل أهل الحجاز ينصبون وبنو تميم يبدلون وأياما كان فالظاهر حل المملوكة له سواء كانت مما أفاء الله تعالى عليه أم لا وكان الله على كل شيء رقيبا 25 أي راقبا أو مراقبا والمراد كان حافظا ومطلعا على كل شيء فأحذروا تجاوز حدوده سبحانه وتخطي حلاله إلى حرامه عزوجل
ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم شروع في بيان بعض الحقوق على الناس المتعلقة به وهو عند نسائه والحقوق المتعلقة بهن رضي الله تعالى عنهن ومناسبة ذلك لما تقدم ظاهرة والآية عند الأكثرين نزلت يوم تزوج عليه الصلاة و السلام زينب بنت جحش
أخرج الإمام أحمد وعب بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم وإبن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أنس قال : لما تزوج رسول الله زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي ليدخل فإذا القوم جلوس ثم أنهم قاموا فأنطلقت فجئت فأخبرت النبي أنهم قد أنطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله تعالى ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية والنهي للتحريم وقوله سبحانه : إلا أن يؤذن بتقدير باء المصاحبة إستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا تدخلوها في حال من الأحوال إلا حال كونكم مصحوبين بالأذن
وجوز أبو حيان كونه بتقدير باء السببية فيكون الإستثناء من أعم الأسباب أي لا تدخلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الأذن وذهب الزمخشري إلى أنه إستثناء من أعم الأوقات أي لا تدخلوها في وقت من الأوقات إلا وقت أن يؤذن لكم وأورد عليه أبو حيان أن الوقوع موقع الظرف مختص بالمصدر الصريح دون

الصفحة 67