كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

المؤول فلا يقال أتيتك أن يصيح الديك وإنما يقال أتيتك صياح الديك ولا يخفى أن القول بالإختصاص أحد قولين للنحاة في المسئة نعم أنه الأشهر والزمخشري إمام في العربية لا يعترض عليه بمثل هذه المخالفة
وزعم بعضهم أن الوقت مقدر في نظم الكلام فيكون محذوفا حذف حرف الجر وأن هذا ليس من باب وقوع المصدر موقع الظرف
وأجاز بعض الأجلة كون ذلك إستثناء من أعم الأحوال بلا تقدير الباء بل بإعتبار أن المصدر مؤول بأسم المفعول أي لا تدخلوها إلا مأذونا لكم والمصدر المسبوك قد يؤول بمعنى المفعول كما قيل في قوله تعالى ما كان هذا القرآن أن يفترى إن المعنى ما كان هذا القرآن مفترى فمن قال كون المصدر بمعنى المفعول غير معروف في المؤول لم يصب وقيل فيما ذكر مخالفة لقول النحاة المصدر المسبوك معرفة دائما كما صرح به في المغنى
وتعقبه الخفاجي بأن الحق أنه سطحي وأنه قد يكون نكرة وذكر قوله تعالى ما كان إلخ وقوله سبحانه : إلى طعام متعلق بيؤذن وعدى بإلى مع أنه يتعدى بفي فيقال أذن له في كذا لتمضينه معنى الدعاء للأشعار بأنه لا ينبغي أن يدخلوا على طعام بغير دعوة وإن تحقق الأذن الصريح في دخول البيت فإن كل اذن ليس بدعوة وقيل يجوز أن يكون قد تنازع فيه الفعلان تدخلوا ويؤذن وهو مما لا بأس به وقوله تعالى : غير ناظرين آناه أي غير منتظرين نضجه وبلوغه تقول أنى الطعام يأنى أنى كقلي يقلي قلي إذا نضج وبلغ قاله الزجاج وقال مكي : أناه ظرف زمان مقلوب آن التي بمعنى الحين فقلبت النون قبل الألف وغيرت الهمزة إلى الكسرة أي غير ناظرين آنه أي حينه والمراد حين إدراكه ونضجه أو حين أكله حال من فاعل تدخلوا وهو حال مفرغ من أعم الأحوال كما سمعت في أن يؤذن لكم وإذا جعل ذلك حالا فهي حال مترادفة فكأنه قيل : لا تدخلوا في حال من الأحوال إلا مصحوبين بالأذن غير ناظرين والظاهر أنها حال مقدرة ويحتمل أن تكون مقارنة والزمخشري بعد أن جعل ما تقدم نصبا على الظرفية جعل هذا حالا أيضا لكنه قال بعد وقع الإستثناء على الوقت والحال معا كأنه قيل لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الأذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين
وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز على مذهب الجمهور من أنه لا يقع بعد إلا في الإستثناء إلا المستثنى أو المستثنى منه أو صفة المستثنى منه ثم قال وأجاز الأخفش والكسائي ذلك في الحال أجاز ما ذهب القوم إلا يوم الجمعة راحلين عنا فيجوز ما قاله الزمخشري عليه ولا يخفى على المتأمل في كلام الزمخشري أنه بعيد بمراحل عن جعل الآية الكريمة كالمثال المذكور لأنه على التأخير والتقديم وكلامه آب عن إعتبار ذلك في الآية نعم لو أقتصر على جعل غير ناظرين حالا من ضمير تدخلوا لأمكن أن يقال إن مراده لا تدخلوا غير ناظرين إلا أن يؤذن لكم ويكون المعنى أن دخولهم غير ناظرين إناه مشروط بالأذن وأما دخولهم ناظرين فممنوع مطلقا بطريق الأولى ثم قدم المستثنى وأخر الحال وتعقبه بعضهم بأن فيه إستثناء شيئين وهما الظرف والحال بأداة واحدة وقد قال إبن مالك في التسهيل : لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئآن وظاهره عدم جواز ذلك سواء كان الإستثناء مفرغا أم لا وسواء كان الشيئآن مما يعمل فيهما العامل المتقدم أم لا فلا يجوز قام القوم إلا زيدا عمرا ولا ما قام القوم إلا زيدا عمرا أو إلا زيد عمرو ولا ما قام إلا خالد بكر ولا ما أعطيت أحدا شيئا إلا عمرا دانقا ولا ما أعطيت إلا عمرا دانقا ولا ما أخذ أحد شيئا إلا زيد درهما ولا ما أخذ أحد إلا زيد درهما والكلام

الصفحة 68