كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

في هذه المسئلة وما يصح من هذه التراكيب وما لا يصح وإذا صح فعلى أي وجه يصح طويل عريض والذي أميل إليه تقييد إطلاقهم لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئآن بما إذا كان الشيئآن لا يعمل فيهما العامل السابق قبل الإستثناء فلا يجوز ما قام إلا زيد إلا بكر مثلا إذ لا يكون للفعل فاعلان دون عطف ولا ماضربت إلا زيدا عمرا مثلا إذ لا يكون لضرب مفعولان دون عطف أيضا وأرى جواز نحو ما أعطيت أحدا شيئا إلا عمرا دانقا ونحو ما ضرب إلا زيد عمرا من غير حاجة إلى إلتزام إبدال أسمين من أسمين نظير قوله : ولما قرعنا النبع بالنبع بعضه ببعض أبت عيدانه أن تكسرا في الأول وإضمار فعل ناصب لعمرو دل عليه المذكور في الثاني وما ذكره إبن مالك في الإحتجاج على الشبه بالعطف حيث قال : كما لا يقدر بعد حرف العطف معطوفان كذلك لا يقدر بعد حرف الإستثناء مستثنيان لا يتم علينا فإنا نقول في العطف بالجواز في مثل ما ضرب زيد عمرا وبكر خالدا قطعا فنحو ما أعطيت أحدا شيئا إلا زيدا دانقا كذلك وقوله : إن الإستثناء في حكم جملة مستأنفة لأن معنى جاء القوم إلا زيدا جاء القوم ما منهم زيد وهو على ما قيل يقتضي أن لا يعمل ما قبل فيما بعدها في مثل ما ذكر لأنها بمثابة ما وليس ذلك من الصور المستثناة ليس بشيء كما لا يخفى وما في أمالي الكافية من أنه لابد في المستثنى المفرغ من تقدير عام فلو أستعمل بعد إلا شيآن فأما أن لا يقدر عام أصلا وهو يخالف حكم الباب أو يقدر عامان وهو يؤدي إلى أمر خارج عن القياس من غير ثبت ولو جاز في الأثنين جاز فيما فوقهما وهو ظاهر البطلان أو يقدر لأحدهما دون الآخر وهو يؤدي إلى اللبس فيما قصد تعقبه الحديثي بأن لقائل أن يختار الثالث ويقول : العام لا يقدر إلا للذي يلي إلا منهما لأنه المستثنى المفرغ ظاهرا فلا يحصل اللبس أصلا وأبو حيان قدر في الآية محذوفا وجعل غير ناظرين حالا من الضمير فيه والتقدير أدخلوا غير ناظرين وهو الذي يقتضيه كلام إبن مالك حيث أوجب في نحو ما ضرب إلا زيد عمرا جعل عمرا مفعولا لمحذوف دل عليه المذكور والجملة مستأنفة إستئنافا بيانيا وقعت جوابا لسؤال نشأ من الجملة الأولى كأنه لما قيل ما ضرب إلا زيد سأل سائل من ضرب فقيل : ضرب عمرا وذكر العلامة تقي الدين السبكي عليه الرحمة في رسالته المسماة بالحلم والإناة في إعراب غير ناظرين إناه وفيها يقول الصلاح الصفدي : ياطالب النحو في زمان أطول ظلا من القناة وما تحلى منه بعقد عليك بالحلم والإناة إن الظاهر أن الزمخشري ما قال ذلك إلا تفسير معنى والمستثنى في الحقيقة هو المصدر المتعلق به الظرف والحال فكأنه قيل : لا تدخلوا إلا دخولا مصحوبا بكذا ثم قال : ولست أقول بتقدير مصدر هو عامل فيهما فإن العمل للفعل المفرغ وإنما أردت شرح المعنى ومثل هذا الإعراب هو الذي نختاره في قوله تعالى وما أختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من ما جاءهم العلم بغيا بينهم إي إلا إختلافا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم فمن بعد ما جاءهم وبغيا ليسا مستثنين بل وقع عليهما المستثنى وهو الإختلاف كما تقول ما قمت إلا يوم الجمعة ضاحكا أمام الأمير في داره فكلها يعمل فيها الفعل المفرغ من جهة الصناعة وهي من جهة المعنى كالشيء الواحد لأنها بمجموعها بعض من المصدر الذي تضمنه الفعل المنفي وهذا أحسن من أن يقدر أختلفوا بغيا بينهم لأنه حينئذ لا يفيد الحصر وعلى ما قلناه يفيد الحصر فيه كما أفاده في قوله تعالى من بعد ما جاءهم العلم فهو حصر في شيئين لكن بالطريق الذي قلناه لا أنه إستثناء شيئين بل إستثناء شيء صادق على شيئين ويمكن حمل كلام الزمخشري على ذلك فقوله : وقع

الصفحة 69