كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

للسياق والسباق كان يؤذي النبي لأنه يكون مانعا له عليه الصلاة و السلام عن قضاء بعض أوطاره مع ما فيه من تضييق المنزل عليه صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى أهله فيستحي منكم أي من إخراجكم بأن يقول لكم أخرجوا أو من منعكم عما يؤذيه على ما قيل فالكلام على تقدير المضاف لقوله تعالى : والله لا يستحيي من الحق فإنه يدل على أن المستحيا منه معنى من المعاني لا ذواتهم ليتوارد النفي والإثبات على شيء واحد كما يقتضيه نظام الكلام فلو كان المراد الإستحياء من ذواتهم لقال سبحانه والله لا يستحي منكم فالمراد بالحق إخراجهم أو المنع عن ذلك ووضع الحق موضعه لتعظيم جانبه وحاصل الكلام أنه تعالى لم يترك الحق وأمركم بالخروج والتعبير بعدم الإستحياء للمشاكلة وجوز أن يكون الكلام على الإستعارة أو المجاز المرسل وإعتبار تقدير المضاف مما ذهب إليه الزمخشري وكثير وهو الذي ينبغي أن يعول عليه وفي الكشف فإن قلت : الإستحياء من زيد للإخراج مثلا هو الحقيقة والإستحياء من إستخراجه توسع بجعل ما نشأ منه الفعل كالصلة وكلتا العبارتين صحيحة يصح إيقاع إحداهما موقع الأخرى قلت : أريد أنه لا بد من ملاحظة معنى الإخراج فأما أن يقدر الإخراج ويوقع عليه فيكثر الإضمار ولا يطابق اللفظ نفيا وإثباتا وإما أن يقدر المضاف فيقل ويطابق ومع وجود المرجح وفقد المانع لا وجه للعدول فلا بد مما ذكر
وقال العلامة إبن كمال : إن قوله تعالى فيستحي منكم تعليل لمحذوف دل عليه السياق أي ولا يخرجكم فيستحيي منكم ولذلك صدر بأداة التعليل ولو كان المعنى يستحيي من إخراجكم لكان حقه أن يصدر بالواو وفيه أن الكلام بعد تسليم ما ذكر على تقدير المضاف وزعم بعضهم أن الأصل فيستحي منكم من الحق والله لا يستحيي منكم من الحق والمراد بالحق إخراجهم على أن ذلك من الإحتباك وكلا حرفي الجر ليس بمعنى واحد بل الأول للإبتداء والثاني للتعليل وقال : إن الحمل على ذلك هو الأنسب للأعجاز التنزيلي والإختصار القرآني ولا يخفى ما فيه
وقرأت فرقة كما في البحر فيستحي بكسر الحاء مضارع أستحي وهي لغة بني تميم والمحذوف إما عين الكلمة فوزنه يستفل أو لامها فوزنه يستفع وفي الكشاف قريء لا يستحيي بياء واحدة وأظن أن القراءة بياء واحدة في الفعل في الموضعين هذا والظاهر حرمة اللبث على المدعو إلى طعام بعد أن يطعم إذا كان في ذلك أذى لرب البيت وليس ما ذكر مختصا بما إذا كان اللبث في بيت النبي عليه الصلاة و السلام ومن هنا كان الثقيل مذموما عند الناس قبيح الفعل عند الأكياس
وعن إبن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهما حسبك في الثقلاء أن الله عزوجل لم يحتملهم وعندي كالثقيل المذكور من يدعى في وقت معين مع جماعة فيتأخر عن ذلك الوقت من غير عذر كثير شرعي بل لمحض أن ينتظر ويظهر بين الحاضرين مزيد جلالته وأن صاحب البيت لا يسعه تقديم الطعام للحاضرين قبل حضوره مخافة منه أو إحتراما له أو لنحو ذلك فيتأذى لذلك الحاضرون أو صاحب البيت وقد رأينا من هذا الصنف كثيرا نسأل الله تعالى العافية إن فضله سبحانه كان كبيرا وإذا سألتموهن الضمير لنساء النبي المدلول عليهن بذكر بيوته عليه الصلاة و السلام أي وإذا طلبتم منهن متاعا أي شيئا يتمتع به من الماعون وغيره فأسألوهن فأطلبوا منهن ذلك من وراء حجاب أي ستر

الصفحة 71