كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أخرج البخاري وإبن جرير وإبن مردويه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يارسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب وكان رضي الله تعالى عنه حريصا على حجابهن وما ذاك إلا حبا لرسول الله
أخرج إبن جرير عن عائشة أن أزواج النبي عليه الصلاة و السلام كن يخرجن بالليل إذ برزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول للنبي : أحجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها ليلة من الليالي عشاء وكانت أمرأة طويلة فناداها عمر رضي الله تعالى عنه بصوته الأعلى قد عرفناك ياسودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله تعالى الحجاب وذلك أحد موافقات عمر رضي الله تعالى عنه وهي مشهورة وعد الشيعة ما وقع منه رضي الله تعالى عنه في خبر إبن جرير من المثالب قالوا : لما فيه من سوء الأدب وتخجيل سودة حرم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإيذائها بذلك
وأجاب أهل السنة بعد تسليم صحة الخبر أنه رضي الله تعالى عنه رأى أن لا بأس بذلك لما غلب على ظنه من ترتب الخير العظيم عليه ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإن كان أعلم منه وأغير لم يفعل ذلك إنتظارا للوحي وهو اللائق بكمال شأنه مع ربه عزوجل
وأخرج البخاري في الأدب والنسائي من حديث عائشة أنها كانت تأكل معه عليه الصلاة و السلام وكان يأكل معهما بعض أصحابه فأصابت يد رجل يدها فكره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك فنزلت ولا يبعد أن يكون مجموع ما ذكر سببا للنزول ونزل الحجاب على ما أخرج إبن سعد عن أنس سنة خمس من الهجرة
وأخرج عن صالح بن كيسان أن ذلك في ذي القعدة منها ذلكم الظاهر أنه إشارة إلى السؤال من وراء حجاب وقيل : هو إشارة إلى ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن وعدم الإستئناس للحديث عند الدخول وسؤال المتاع من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن أي أكثر تطهرا من الخواطر الشيطانية التي تخطر للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال فإن الرؤية سبب التعلق والفتنة وفي بعض الآثار النظر سهم مسموم من سهام إبليس وقال الشاعر : والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين العين موقوف على الخطر يسر مقلته ما ساء مهجته لا مرحبا بإنتفاع جاء بالضرر وما كان لكم أي وما صح وما أستقام لكم أن تؤذوا رسول الله أي تفعلوا في حياته فعلا يكرهه ويتأذى به كاللبث والإستئناس بالحديث الذي كنتم تفعلونه وغير ذلك والتعبير عنه عليه الصلاة و السلام بعنوان الرسالة لتقبيح ذلك الفعل والإشارة إلى أنه بمراحل عما يقتضيه شأنه صلى الله تعالى عليه وسلم إذ في الرسالة

الصفحة 72